Monday 28 December 2009

المعرفة و القوة : العولمة (2): في الإقتصاد


العولمة هي وضع الشيء على مستوى "العالم".

وفي ترجمتها الحرفية : هي تحويل المظاهر المحلية و الإقليمية إلى العالمية .

ظهر أول ما ظهر هذا المفهوم في المجال الإقتصادي للتعبير عن ظاهرة آخذة في التفشي عالميا كإنعكاس لطغيان المنحى المادي- المسمى حرا- للرأسمالية .

كلمة العولمة وبالإنجليزية

Globalization

ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية مما يجعل القول إقتصاديا بتحويل المظاهر المحلية و الإقليمية إلى العالمية ، إنما قصد به تحويل تلك المظاهر غلى النموذج الأمريكي غقتصاديا ، بحكم أنها رأس الفكر الرأسمالي .

وفي كثير من أدبيات الفكر تسمى تلك العولمة "أمركة"، إلا أنني شخصيا أعترض على المسمى من باب أن إتساع نطاق العولمة خارج النموذج الأمريكي وإن كان هو المصدر إلا أنه – النطاق- قد فتح الأبواب لنماذج أخرى .، سواءا عن تخطيط مسبق أم لا.

وددت أن أشير لدى عرضي هذا المقال إلى أنني لست من أهل العلم في المجال الإقتصادي ، إنما أنا مراقب للساحة ليس إلا ، ولذا توجب علي أن أذكر البعض من الإحصائيات لتوضيح التوجه العولمي العالمي:

* الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و فرنسا وألمانيا وإنجلترا تتوزع فيهم 172 شركة من أصل 200 من أكبر الشركات العالمية وهم الشركات المئتان المسيطرة على الإقتصاد العالمي.

* في تقرير للأمم المتحدة أوضح أن 358 شخصا من كبار أثرياء العالم تقدر مصادر ثروتهم النقدية حجم المصادر التي يعيش منها حوالي المليارين وثلاثمائة الف شخص في هذا العالم .

* عشرون في المائة من أثرياء العالم –وليس سكانه- يتحكمون في 80% من حجم الإنتاج العالمي.

عند تناول النتاج الإجتماعي لمثل ذلك التوجه العولمي الإقتصادي ، نلاحظ إتساعا في الهوة الإقتصادية بين المجتمعات المختلفة من ناحية وبين الأفراد في المجتمع الواحد من ناحية وإنسحاق الطبقة الوسطى التي هي عماد المجتمع أيا كان .

الهوة بين المجتمعات:

نجد أن رؤوس الاموال تتدفق من الدول الرأسمالية المنتجة بإسم الشركات متعددة الجنسيات للكثير من الدول النامية والفقيرة والتي يستغل أوضاعها الإقتصادية و السياسية و الإنسانية الفاسدة أصحاب الشركات المتعددة الجنسيات إما لتدني اجور الايدي العاملة أو منح التسهيلات القانونية و الإجرائية أمام الإستثمارات الأجنبية وكسر حدود الدولة القومية وسيطرتها على أوضاع العاملين و الغقتصاد أو لأن بعض الأنظمة ورموزها لابد أن يقتطع حصة من الكعكة التي تذهب في كروشها وغالبا ما تكون تلك القطعة صغيرة، مقابل السماح بالكثير من التعديات .

لنجد أن المنتج النهائي تختلف تصنيفاته من الممتاز للمتوسط والمقبول وليتم تصديره فيما بعد للمستهلك كل بحسب تصنيفه ليعود – إن عاد – للدولة المصنعة لذلك المنتج الذي يكون في الغالب من مؤخرة التصنيف ، أما ذلك المنتج تحت الخمس نجوم فيعود لدول ال172 المسيطرة.

مثال تلك الهوة ، والتي يدافع عنها الكثيرون ممن غاب عنهم الحس الأخلاقي و الإنساني بداعي أن المادة هي الهدف النهائي لكل المجتمعات ، تلك الحالة التي يغفلها الكثيرون وهي لأحد أشهر المقاهي في العالم و الذي يرتاده الكثيرون ممن سيحالفني الحظ ن يقرؤوا سطوري هذه .

تلك السلسة التي إبرمت عقدا تجاريا مع حكومة إثيوبية فاسدة جعلت الحد الزمني مفتوحا لسقوط العقد ، مقابل شراء أوقية البن الإثيوبي بمبلغ الست سنتات ، وكما نعلم فإثيوبيا أحد أفقر دول العالم .

ومع إنتشار تلك السلسة من المقاهي إلا أن زاد من البيع وأدى إلى إشتهار البن الإثيوبي وعمل الحكومات المتعاقبة على تطوير صناعته حتى قارب أن يماثل البن البرازيلي جودة ، مما حدا بالحكومة الإثيوبية أن تطالب برفع قيمة الأوقية من ست سنتات إلى ستين سنتا أي مضاعفة الدخل القومي لبلد كامل يرزح تحت الفقر من القهوة عشر مرات إلا أن أصحاب تلك الشركة رفضوا بحجة ان ذلك غير منصوص عليه في العقد .

وطبعا سيتسائل البعض ، من الممكن ان يكون الرفض مبررا بأنه سيضر بمكاسب الشركة ،وفي بيان صدر عن منظمة التجارة العالمية حينها اوضح أن مصاريف الشركة على منتجها بداية من الحصاد وحتى البيع- الإستهلاك للأوقية الواحدة كان 5 دولارات ويتم بيع الأوقية الواحدة بما يعادل 26 دولار .

والفرق بين الست سنتات لدولة و 21 دولار لشركة قائمة على أفراد واضح .

تلك كانت سلسلة ستاربكس العالمية.

لا تعليق.

أما لدى الحديث عن الفارق ضمن شرائح المجتمع الواحد:

نجد أن حاملي نفس الشهادات العلمية لا يحصلون على نفس الراتب و لانفس الدخل ، ضمن نفس المدى الزمني و العمري وفي المجتمع الواحد.

فمن الحاصل وبكثرة أن يساوي دخل فردين أو ثلاثة من رؤساء مؤسسة بنكية مثلا مايعادل ذلك لنصف العاملين في تلك المؤسسة .

مثال ذلك :

* نسبة الإرتفاع في الغنى و الثروة كان ستين بالمئة في الولايات المتحدة بين عامي 1975- 1995 ، غير أن المستفيدين من هذا الإرتفاع لا تتجاوز نسبتهم الواحد في المائة .

* في فرنسا مثلا تفيد الحصائيات أن عشرين بالمئة من الفرنسيين يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمئة من الثروة الوطنية ، وبعبارة أخرى أن عشرين بالمئة من الفرنسيين الذين يتبوأون قمة السلم الإجتماعي يتصرفون في ثلاثة وأربعين بالمئة من الدخل القومي ، بينما عشرين بالمائة وهم المصنفون في ذيل تلك القائمة لاينالون من ذلك الدخل سوى 6%.

* لم أرد كذلك تفاصيل الوضع الإقتصادي في دولة الإحتلال كي لا تساق الحجج بأنها دولة ذات وضع خاص ، وإن كانت الفروق الإجتماعية واضحة.

في النهاية فالعولمة كمفهوم إقتصادي آخذ في النمو و الإتساع ليصبح نسقا أيديولوجيا يشمل السياسة و الفكر و الثقافة و الإتصال وليس الإقتصاد فقط.

مما يفتح باب التساؤل عن مصير الدولة القومية وسلتطها أمام دولة الإقتصاد؟؟

فالعولمة تلغي حدود الدولة القومية إقتصاديا – كبداية- وتفتح أبوابها لحركة رؤوس الأموال و التجارة الحرة بدون شروط ، وإلا فلتخرج من النسق العالمي في خلط واضح ومتعمد وغير خالص النية للخلط مابين (العولمة) و العالمية).

كل ذلك يدفعني للتساؤل : هل العولمة هي (مابعد الإستعمار) لأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة حديثة نسبيا ولا تاريخ إستعماري لها ، مما يفسر كون كل حروبها قد خاضتها خارج التراب الأمريكي لأسباب جغرافية وسياسية ، وأن كل رئيس أمريكي بداية من كنيدي وأزمة خليج الخنازير الكوبي كان مطالبا بإظهار عامل القوة و التقوف الأمريكي عسكريا وسياسيا على إمتداد مختلف إدارات البيت الأبيض؟

ويفسر كذلك رد الفعل الأمريكي – العالمي بقيادة أمريكية متخطية كل القوانين و الشرائع الدولية ،ردا على أولى الضربات التي وجهت لبلاد العم سام على أرضه في الحادي عشر من سبتمبر؟.

وهل ذلك ال (مابعد الإستعمار) لا يعني القطيعة مع ال (ماقبل الإتعمار) ، بل يعني الإستمرار فيه بشكل او بآخر، مثلما نقول (ماقبل الحداثة) و (مابعد الحداثة).

Wednesday 23 December 2009

المعرفة و القوة : العولمة (1): وقفات في التاريخ

تقديم :

سلسلة المقالات المعرفة و القوة التي تتناول موضوع العولمة هي خلاصة بحث قمت به بعين المراقب و الباحث وليس بعين الخبير وتلك السلسلة سيتم نشرها تباعا تحت عنوان :

المعرفة و القوة : العولمة

وسأركز في كل مقال منها على أحد الجوانب بالتفصيل.

قبل البدء في الحديث عن العولمة وجب علي التوقف لدى بعض النقاط والنظريات التاريخية التي تتناول تطور الحضارات وإنهيارها بشيء من الإختصار.


******

نظرة هيجل للحضارة و التاريخ:


التطور التاريخي – الحضاري لدى الفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيجل إنما هو عبارة عن سلسلة من تطور الوعي الإنساني بالحرية ، وهو تطور –باديء الأمر- منطقي قائم على التقدم نحو النظام و المعقولية والحرية و العدالة كمنتج نهائي .

أي أن الأفكار هي العامل الحاسم في توجيه التاريخ وتسييره ، لأن الإنسان في النهاية هو كائن مفكر حر ، ولأن المعرفة الإنسانية لا تعود أبدا لنقطة الصفر لأنها وببساطة تراكمية ، لذا فالنهاية الحتمية للتاريخ الإنساني إنما هي سعي للكمال من الأدنى للأعلى ، والحكم هو سمو الفكر في مثالية مطلقة تبدو بعيدة عن أرض الواقع وعالم الإنسان ، وواقعية أن لكل تجربة ظروفها وخسائرها . كانت تلك أحد جوانب الضعف في نظرية هيجل للتطور الحضاري بجانب ميله لجنس – عرق بذاته ومنحه أفضلية بناء الحضارات على أجناس أخرى .

وقد قامت فلسفسته على التفاعل الدائم ما بين الفكرة ونقيضها حتى الوصول للمطلق الخالي من الصراعات و النقائض.

وهو ما بنى عليه مفكرون جدد من أمثال المفكر الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما نظريته التي تعد إمتدادا لنظرة هيجل تحت إسم "نهاية التاريخ" إلا أنه – فوكوياما- في كتابه قد برر نشر الفكر الليبرالي الحر بقوة السلاح وكان من أكثر الدعاة لنشر الديموقراطية الأمريكية على ظهور الدبابات وإحتلال بلاد مثل العراق ، إلا أنه تراجع عن تلك الدعوة فيما بعد.


******


نظرة كارل ماركس :


إتجه فكريا الفيلسوف الألماني كارل ماركس مع نظرية هيجل من حيث المبدأ ، إلا أنه قد جعل مرجعه هو (المنحى الإقتصادي / المادي) وليس الفكر الحر ، فكان يرى أن المجتمعات و الحضارات الإنسانية تتحرك وفقا للحاجة المادية ، حتى على المستوى الإنسني – الفردي .

يتجلى ذلك بوضوح حينما ربط إعتراف المجتمع قديما بإنسانية المرأة ودورها فقط مع ظهور تأثيرها/إنتاجيتها إقتصاديا – ماديا في مجتمعها ، في أبرز صور طغيان المادية على الإنسان .

فالمجتمع لدى ماركس ينتقل من الشيوعية البدائية إلى الشيوعية المدنية المتحضرة مرورا بالكثير من المراحل منها مرحلة السادة و العبيد في العصور القديمة ومن ثم الإقطاع بسادته وعبيده في العصور الوسطى وبدايات الحديثة ومن ثم الرأسماليين و الأجراء والذي سرعان ماسيسقط بإنتصار العمال وسقوط الناس جميعا تحت طبقة واحدة يتساوون فيها .

وبعيدا عن إسقاطات نظرية كارل ماركس التي وعدت بنظام يبشر بسقوط الدولة وأجهزة القهر من شرطة وجيش وثقوب تلك النظرية الجلية من تجاهل الوازع و المحرك الديني المؤثر على إختيارات الشعوب و الحضارات لأنها تخاطب العاطفة الأقوى شعبيا وهي الخوف من المجهول – مابعد الحياة - وذلك في عبارته المأثورة : الدين أفيون الشعوب.

إلا أنه يظل طرحا وفكرا موجودا .


*****


نظرة المؤرخ أرنولد توينبي :


ذهب أرنولد توينبي المؤرخ الإنجليزي إلى أن قيام الحضارات ليس محكوما بالعوامل البيولوجية من سمو عرق أو لون بذاته كما ذهب هيجل وغيره .

كما أنها ليست محكومة – في النشأة وليس التأثير- بعوامل جغرافية ، وليست نتاجا ماديا كما وصل إليه ماركس.

إنما الحضارات تنشأ تحت مبدأ: التحدي و الإستجابة ، ويقصد بالتحدي هي الظروف التي تواجه الإنسان أثناء عملية البناء الحضاري فتؤثر سلبا أو إيجابا ، و التحدي لدى توينبي – ومنطقيا – لا يخرج عن إثنين :


تحدي طبيعي : وهو تلك العوامل التي تفرضها الطبيعة أمام الإنسان كاجفاف و الفيضانات و العواصف ...إلخ ، فالحضارات لا تزدهر في أسهل الظروف الطبيعية بل تزدهر تحت بند البقاء للأقوى في دائرة تجمع التحدي و المجتمع الإنساني من دون إغفال عامل الظروف المساعدة .

فإزدهار تلك الحضارات يأتي بقدر شدة التحدي ، والتاريخ زاخر بمثل هذه الشواهد ليس أقلها الحضارة الفرعونية و البابلية و السومرية ، لذا فإن كان نهر النيل هو سر قيام الحضارة الفرعونية القديمة فلماذا لم تقم حضارات مشابهة في العظمة على أنهار مثل الدانوب أو واد الأردن أو حوض الكونغو؟؟

وإذا كان الرخاء المفرط يقتل الحضارة فكذلك التحديات الطبيعية بالغة القسوة و التي تقتل وتفتك بالنشاط الإنساني وتصل به إلى درجة العدم ، مثال ذلك القطب المتجمد والصحارى التي لم تحتضن سوى بذرة المجتمع الإنساني الغير نامي المرتحلة الغير مستقرة وهي البدو.


2. التحدي البشري : يختصر الضربات الداخلية و الخارجية التي تنالها أي حضارة بداية من الحروب و الإنقلابات و المعارك والحصار والإسترقاق ، هي عوامل تحفيز تستفز العقل البشري بصيغته الفردية و الجمعية للإزدهار و الإبداع كصراع بقاء وإثبات وجود .

ويذهب أرنولد توينبي إلى أن إنهيار الحضارات لا علاقة له بدورة التعاقب الحضارية التي وضعها الكثيرون من فلاسفة التاريخ وأن نهاية الحضارات ليست حتمية إلا بقدر إنهزامها أمام أي تحد.


إن نهاية الحضارة لدى توينبي هي

نتاج لعوامل داخلية فالغلبة الظاهرية وإن كانت للعوامل الخارجية إلا أنها لم تكن لتحقق هذه الغلبة مالم تكن تلك الحضارة قد إ

نتحرت بشكل أو بآخر داخليا.

إن السبب الذي خلص إليه أرنولد توينبي في دراسته للحضارات و التاريخ و

التي فصلها في كتابه : (دراسة في التاريخ ) ، تقول بإن إنهيار أي حضارة داخليا يكمن ف

ي فقدان الأقلية أو النخبة الحاكمة ملكة الإبداع في الحكم ، ويمكنني القول أن ماقصد

بذلك التعبير في كتابه هي :


الثقة :


المواطن يفقد ثقته في القانون ا

لمطاط الذي لا يعد سقفا سوى لعامة الناس بينما هو أرضية للنخبة الحاكمة في نظام الحز

ب الواحد ، مما يفقد القانون سلطته وهيبته لدى المواطن الذي يعي تماما أنه وليتخطى القانون لا لتنفيذ غرض غير قانوني كل ما يحتاج

ه هو صلة تصله بدائرة ذلك الحزب الحاكم ،في صورة التقرب من أحد شخوصه .

بينما طبيعيا وجب على القانون ومشرعيه توفير كل القنوات القانونية التي تتيح لمواطن الوصول لهدفه ، وبالذات أن ذلك

المواطن قد أدى ماعليه من واجبات وإلتزامات قانونية ومدنية وعسكرية إتجاه هذا الوطن م

ن ضرائب وخدمات مدنية وخدمة عسكرية .

كما أن ذلك المواطن سرعان مايفقد ثقته في النظام الذي يتغنى عبر كل أبواق الإعل

ام بوجود خدمات وبنى تحتية تخدم المواطنين بكل فئاتهم لايرى المواطن منها شيئ

ا إما لعدم مصداقية النظام أو وسائل إعلامه أو لأن تلك البنى التحتية و الخدمات إنما تخدم تلك تلك النخبة الحاكمة ن وفقدان تلك المص

داقية في عملية التواصل بين الفرد و النخبة الحاكمة أيا كان سببه إنما يعمل على توسيع ا

لهوة ، هوة الثقة بين الطرفين .

أما الدولة – النظام المختصر في نظام الحزب الأوحد ، فيفقد ثقته في في ذلك المواط

ن الناقم دوما المتأخر في سداد واجباته المدنية و الإجتماعية و العسكرية ، ومن ثم تبد

أ سلسلة التمنن الحكومي بما هو أصلا من واجبات تلك الأنظمة من حقوق إنسانية أصيلة وليست زوائد حياة.


الحقوق المدنية و السياسية و الفكرية :


إختلال الميزان الإجتماعي والسياسي

و الفكري وإتساع الهوة مابين النخبة و العامة في جميع المجالات السابقة وذوبان الطبقة الوسطى إجتماعيا وسياسيا وفكريا و ا

لتي كانت تشكل حلقة الوصل مابين الطبقة العليا والدنيا . يفسر غياب التواصل ونزي

ف الأدمغة والعقول و الطاقات وإختصار المجتمع المدني على ضدين متصارعين فقط هو المبرر الأكبر لسطوة الأجهزة القمعية وإستئثارها

بالصواب.

لأن المجتمع المدني هو بجميع صوره نظام سياسي يقوم على المشاركة مابين أع

ضاؤه جميعا في تدبير شؤونهم ، بإسقاط القاعدة الأقدم والأكثر بدائية ديموقراطيا و إنسانيا والتي تنص على (الحكم للأغلبية) ،

ذلك النظام القائم على حق الكلام والتواصل والذي يستتبعه حق الإختلاف .

ولأن حق الإختلاف ينتهي إلى إثراء الحياة المدنية و السياسية والإجتماعية و الفكرية بطريقة تكشف ماللنظام وماعليه وا

للمواطن وماعليه ، فلا يمكن محاربة الفردية إلا بالتنميط وتطبيق سياسية القطيع ، والتي يسوقها إعلام موجه أصم أبكم وأعم

ى .


إن الحضارة الآن تتكون من عديد الدول ، ولأن الواقع في منطقتنا يتشابه في الكثير من النواحي التي يمكن تصنيفها بحسب ن

ظرية أرنولد توينبي إلى عوامل داخلية تدور

في فلك الجنرال و الوالي و الصنم ، وعوامل خارجية لا يمكن القول بتأثيرها بعيدا عنا وهي العولمة ، فلا أجد بدا في زمن الأيديلوجيات إلا البحث في تلك العوامل

وأين سنكون منها وبعدها ...والآن.





وللحديث بقية

Sunday 15 November 2009

مابين المنفى و الوطن


جاء في معجم لسان العرب أن النفي أنما هو إخراج أو طرد الإنسان من بلده .

وكما قال أدونيس فللمنفى صور عديدة ، فمنفى اللغة في الطرد منها ، ومنفى الوطن في الطرد منه ، وكذلك الثقافة.

لذا فالمنفى أنواع تتفق فقط في إنتفاء الوجود من الشيء أيا كان ، أي أنه حالة إغتراب عن الذات عن اللغة عن الثاقفة عن الوطن ، عن أي عنصر من عناصر الهوية.

ماذكرته ههنا يجعلني دوما أتساءل : أين أنا؟

أغترب حاليا عن وطني وثقافتي ولغتي وأرضي ، ولكنني ههنا في أكثر حالاتي إستيعابا لذاتي المغتربة بكل عناصر هويتها السابقة، مغتربا عنها متماهيا معها حد التطابق.

لا أود تعميم تجربتي ،فأنا أتحدث عني دون أي إسقاطات زمانية ولا مكانية ولافردية خارج أناي أنا ، عبدالله بياري.

أسير في لغتي ، كمن توج بتاج لايراه ويراه غيره ، أحتفي بها وهي العزيزة في هذا الزمان و المكان ، حيث أنا ، ذلك يجعلني أكثر تحسسا لها لموسيقاها وتاريخها وأسطوريتها بألف بهاء وبهاء ، ليس بدافع العاطفة – عاطفة الإنتماء – التي غالبا ما لا تستطيع السمو فوق الحدود الجغرافية للغة : اللهجات ، مثال ذلك سعادتي بجريدة عربية وسط جرائد فرنسية وإنجليزية وألمانية وأسبانية ، عند بائع الجرائد الكهل ذو الشاربين الكثيفين ، والذي غالبا لم تستثره تلك اللغة ذات الإلتفافات والدورانات التي لا تعيش في الزوايا والتي لاتعرف من الأبعادإثنين فقط أكثر من دقيقة هي الزمن الذي إحتاجه ليرتبها في العرض ، لسبب بسيط فهو لا يتقن سوى الفرنسية لذا فتلك الجريدة العربية لم تثره وهي تنتقد تعديات النبيذ الفرنسي على تاريخنا وأرضنا العربية مستعرما مستشرقا والآن مراقبا .

تلك السعادة – سعادتي - لا علاقة بعنوان تلك الجريدة ايا كان، ولا تواجهاته بقدر شمولية لغتي : لغة الضاد التي طربت لها السماء ، وجمعت ذلك العنوان وأضداده وأحزابه وتيجانه وسلاطينه وملوكه ورؤسائه وقتلته وخونته وشهداءه تحت مظلتها .

إن حالة الإستيعاب الذاتي لذاتي ، قد تبدو نتاجا منطقيا لحالة الإغتراب هذه إلا أنها من أخطر النقاط في إنعطافة العلاقة مابين الذات و المنفى ، بل قد تكون هي الأخطر بالإطلاق .

أعلم أن الوطن و المنفى لدى الكثيرين ومنهم أنا ، لايعدو أن يكون فكرة ، إلا أن التسليم بذلك بالإطلاق من أخطر حالات فقدان الإنتماء والهوية خارج حدود العاطفة ، وإختصارا للفكرة في مظاهرها ، من دون مقاربة للواقع والخيال أو البيت و الطريق .

بكلمات أخرى ، إن إنفتاحي على ذاتي في المنفى لا يعد إنغلاقا عليها ولا إعتزالا للآخر ، كما هو الحال بالنسبة للكثير من المغتربين-المنفيين ، الذين ينفتحون على أنفسهم حد الإنغلاق عليها ، ورفض الآخر ، ونجد لتلك الحالة الكثير من المسببات المنطقية لدى أصحابها منها مثلا فساد الآخر المفترض سلفا أو المترجم خطأ ببعض المفردات الروحية عن الآخر ، لا لعيب فيه بقدر ماهي نتيجة طبيعية لإعتزاله ونسج الإفتراضات عنه لمجرد إختلافه وإنعدام لغة التواصل ، لذا فالكثير من تلك المفردات لا يوجد لها مرادفات .

فما لاحظته لدى الكثيرين من عرب المنفى ،إنغماسهم في هويتهم بعزلة عن عالمهم ، ولفظ (عالمهم) المستخدم بدلا من (العالم من حولهم ) لها دلالاتها ، فهم عناصر من عناصر ذلك العالم وجزء فيه شاؤا أم أبوا ، لذا فرفض الآخر والإنغلاق على الذات ، إنما هو رفض للعالم وعزل لفكرة المنفى وتجميدها ، وشل أحد عناصرها الهامة بل الأهم وهي الهوية ، التي لا تكتسب بعدها الفاعل وكينونتها المميزة لها إن لم يكن لها فضاؤها الديناميكي في علاقة المد والجزر بينها وبين الآخر أيا كان ومتى كان وتحت الشمس دون أي شروط .

تلك هي الحالة الأولى من التفاعل في المنفى بين الفرد ومنفاه ، التفاعل الهوياتي إن صح التعبير ، أما الحالة الثانية فهي النقيض لسابقتها وإن تطابقت معها في الإعتراف يأن الوطن فكرة ،في الأولى إنغلق عليها مقدسا من مقدسات الآلهة ، وفي الثانية تنكر لها وعزلها في البعد ، فأصبح المنفى حينها حالة إنعتاق من الهوية و الأرض والإنتماء أو الوطن بكامل إسقاطاته التاريخية واللغوية و الدينية و الثقافية ، لتصبح حينها عملية التفاعل الحضاري في المنفى هي عملية مماهاة مع الآخر ، وغالبا تظل تلك العملية حبيسة مرحلة وسطى ما بين وطن – فكرة لايملك الفرد خواصها التي إنعتق منها كاملا لأنها عبء حضاري ، ومنفى خسر فيه فكرة الوطن ولم يكتسب هوية المنفى بكل خواصها كاملة ، لأن الهوية لا تعود أبدا لنقطة الصفر ، مهما تنكرنا لها .

وللحديث بقية

Wednesday 11 November 2009

في عشق المكان


أحمل أوراقي وأقلامي معي أينما ذهبت ، أرصد تحركاتهم من حولي وداخلي لإيماني بأنهم أكبر من حدود الطبيعة والفيزياء و الفلسفة والأديان.
هم الزمان و المكان..نسير ثلاثتنا بالتوازي حد التطابق لا التقاطع ، منا تخرج الكثير من الدوامات البشرية كالهوية والدين والوطن و المنفى والآلهة نبحث فيهم عن ماهية لن نجدها بتمامها ، لأن نقصانها هو إكتمالنا إنسانيا .
رحلة الزمان و المكان و الأنا هي من تعطي تمايز الحيوات بين البشر ، هي التي تعطي لماوراء الطبيعة رونقه ، فلكل زمان و مكان وأنا إختلاف حد التطابق فيما بيننا جميعا يجعنا من نحن ويجعل كلا منا فردا مميزا.


حديثي ههنا يتناول الأماكن – أماكني ، وهن لسن كثيرات ، وليعذرني قاريء سطوري ههنا لإستخدامي ضميرا مؤنثا في الكثير من إشاراتي السابقة و اللاحقة ، لأنني ولأسباب عدة أسعى للإكتمال مع إناثي ولو لفظيا .
فكما كان آدم مكتملا مع حواء – والمعية تقتضي المساواة وليس التبعية، وذلك الإكتمال فسر لي الجريمة الإنسانية الأولى والتي لها العديد من الأبعاد أناقش إحداها ههنا - التي قام بها قابيل الذي لم يكن مكتملا أيضا ، ومما قيل أيضا أن حواء كانت تلد في البطن الواحدة توأمين إثنين من ذكر وأنثى ، إلا المرة الأولى التي جاءت بقابيل وهابيل ..ناقصين.
أسعى لأن أكون مكتملا .

أماكني – إناثي هن هاهنا إكتمال لذاتي ، لم أزر من النساء – المدن الكثير ، إلا أنني أنوي التورط حتى النهاية معهن جميعا . لذا فسطوري – بكل فوضاها هذه – إنما هي محاولة لأعي نقصاني كاملا لأكتمل إنسانيا وفكريا بهن .

يشتاقها وهو في الطائرة بتذكر قبلة وداعه من شفتيها ، يتوقف به الزمان و المكان ، المكان على عتبات بيته بين ذراعيها على قارعة قلبها ، والزمان ما بين القبلة الأولى و الثانية....حياة.
في الفندق يفرغ حقيبته من قمصان رتبها حس أنثوي بالغ النضوج على سرير يتخوف بدوره من ليله ماطرة وشهوة ، يسأله ماذا تنوي أن....؟
يقاطعهما دق على الباب أنثوي أيضا ولكنه بالغ الغواية ، يفتح بابه ، ليراها :
هي هيلين طروادة ، بنهدين مكتنزين بالمستحيل كثمرتي رمان ، وكتف ذهبي عار من الواقع ، تنحني له الشمس ، وظهر من مرمر عار هو الآخر إلا من خط طويل من الشهوة يقطعه يصل الجنة بالأرض على جانبيه تضاريس حلم .
ما أن رأتها يداه حتى تساءلتا قائليتن :
كيف لنا أن ننسى تضاريسا عبرناها بشهوة وحلم وسرقة وخوف وعشق في زمان آخر ومكان قصي فصارت لنا هوية خطت لنا خطوطنا وأسماء آلهتنا ؟

تدخل به عوالم من الألوان و الموسيقى خارج الآن والهنا..

من وسط كل ذلك يبزغ وجهها من البعد حبيبته الأولى من بين كل الإنتماءات التي حملها وحملته ، ليعود إلى زمانها ومكانها وأناه...فعلى عتباتها لا خفة للنوايا ولا ثقلا للهواجس..ليشتاقها على طرق سرير وحلم .

أسير في شوارع باريس ، للزمان والمكان ههنا من حولي ملمس آخر ، مابين تماثيل علتها الأساطير والأتربة لترسم لها ظلال وجوهها غائرة في ملامحي، تطل علي مني .
ببناياتها الضاجة بالحكايا والأسرار ، وهواء يعبق برائحة الخبز والنبيذ والغواية ، فكما للنساء عطرا للمدن من أنوثتها كذلك.

أغرتني؟؟......نعم.
أدمنتها؟؟.......نعم.
عشقتها؟؟......نعم .

منذ اللحظة الأولى التي كشفت لي عري كتفها ورجولتي ، وأضحت عشيقتي ، وأصبحت معها وقبلها خائنا ، منذ اللحظة الأولى التي سرت في جسدي قشعريرتها لتجتاحني فتحيلني رمادا وتبعثني ، علمت أن إرتباطنا أبدي..زماني ومكاني وأنوثتها.

أفقت حينها على صوت قاهرتي بحناجرها الألف ، تناديني وتسألني:
- أين أنت عني؟؟؟
- في رحلة عمل....
- لم تغمض عينيك؟؟؟
- لأراك بكامل النقصان حولي...فأشتاقك.

أرى إنعكاس وجهي في وجهي ، في قطرة عرق سالت على ظهر كل منهما ، بعد ليلة عشق أيروسية هي كل مرة المرة الأولى يسألني :
- أين إكتمالك؟؟ فيك عاشق وخائن..

أتعبتني مطاردة الزمان و المكان ، في قضاء وقدر يقبل ألف تاويل ، نسير لا يجمعنا سوى إختلافنا ...وإناثنا.

للمكان أناي وزمانه.
للزمان أناي ومكانه.
أما أنا...فلي زمان قاهري ومكان باريسي...
وحبيبتان.
________________________________________________

Tuesday 3 November 2009

المعرفة والقوة : في الإختلاف


إن الكثير من التعبيرات السياسية و الحضارية و الفكرية الطافية على السطح حاليا والتي تتناول العلاقة مابين الإسلام والآخر في عمقها تحتوي خطأ فكريا يرفضه المنطق والواقع ، من تلك المسميات التي لا تعدو كونها ترجمة حرفية للتعبيرات الإنجليزية والتي لايمكن تطبيق معاييرها على لغتنا مفتاح فكرنا وتواصلنا الإنساني مع الزمان و المكان من حولنا كان التعبير القائل :
(الإسلام والغرب).
فالجمع مابين الإسلام والغرب يضعهما على طرفي علاقة تجمعهما تفترض التناقض أو التقابل ، ولكن ذلك لا يستقيم بأي صورة كانت مع معنى لفظ (الإسلام) ولفظ (الغرب) ، ف(الغرب) هو لفظ دال على جهة من الجهات الأربع لا تجمعه أي صفة سوى مدلول الجهة التي قد تكون شرقا أو شمالا أو جنوبا في حين أن لفظ (الإسلام) ليس دالا على جهة ما بعينها ، قد يقول البعض أن لفظ (الغرب) له إسقاطاته السياسية والتاريخية و السسيولوجية التي تتعدى تلك الجغرافية ، وذلك صحيح ولكن لايمكننا مقابلة تلك الإسقاطات أيا كانت بالإسلام لأن الإسلام ليس إنتماءا سياسيا أو جغرافيا أو سسيولوجيا أو حتى تاريخيا بل هو بعد إنساني روحاني لا يفرق بين شرق أو غرب إنتماؤه الوحيد هو الإنساينة كما هو الحال مع أي دين.


* * * * * *
إن الحاجة لحوار الحضارات ، ليست حاجة حضارية يمكن إختصارها في جانبها السياسي أو الإقتصادي – مع أننا مجتمع مستهلك مغرم بعنتريات المقاطعة في إحدى صور الإختلاف - ولا الثقافي ولا الفكري فقط ، بل كل تلك الجوانب مجتمعة والتي يشترط لوجودها وجود الآخر في بعد يجمعني أنا وهو .
كل منا ينتج من وجود الآخر، الذي يعطيني كينونتي الفاعلة وأعطيه أنا كينونته تلك بوجودي، ذلك البعد هو إنسانيتنا الجامعة لا يفرقنا جمعنا شئنا أم أبينا تلك الإنسانية التي تسمو فوق كل إختلاف ، وذلك الجمع بتراكم إنتاجه المعرفي و الثقافي والفكري الذي يوجد بنا لا بأحدنا الذي يجعل من إنسانيتنا أملا في الأفضل .
إن القاعدة التي يتبناها البعض للإعتراف بالآخر حضاريا ضمن منظومة (الإختلاف) فقط ، إنما هي تعامي عن أن الإختلاف هو النتاج الطبيعي للتشابه والإختلاف الإنساني والذي يعرف علميا بال
(individualism)
أي التفرد والذي ينتج بدوره الوعي الجمعي والثقافة الجماعية للأمم بناءا على التشابه في نقاط التفرد الفردية المبنية على إختيارات لا يمكن فصلها عما يجمع أصحابها.
وبكلمات أخرى ، (إختلافنا) ينبع من تشابهنا ، فالدين مثلا ، أي دين إنما هو مذهب روحاني – إنساني ، يؤمن للإنسان-الفرد إجابة عن أكثر التجارب الإنسانية عمقا التي تتناول الموت والحياة والخلق و الروح والكينونة وهي التجارب والتساؤلات التي يتشارك فيها الكثيرون قبل أن تختلف إجاباتهم-أديانهم.

* * * * * *

ومن هنا كان الإيمان بالإختلاف مرجعية وقاعدة إنسانية ، في عصر الحساسيات وثقافة الصورة ، والعقول الإسفنجية التي لا تعرف للنقد والتفنيد سبيلا ، يجعل منه خطرا ، أثبت التاريخ أنه كان أحد أهم المسببات للكثير من الحروب و النزاعات ، التي راح ضحيتها الكثيرون ، وخسرت أمامه الإنسانية الشيء العظيم ، وذلك لأن الإنزلاق من الإختلاف المجرد لإستحواذ الصواب ورفض الآخر كان وسيظل آفة إنسانية بإمتياز ، والتي سرعان ما تجد من المسببات والدلائل والأبواق ما يتغزل في ذلك الإختلاف لصالح طرف دون الآخر، يصل في كثير من الأحيان حد تشويه النصوص الدينية والأحداث التاريخية وإخراجها خارج حدود التأويل لزمن الأصنام ، ومحاكم التفتيش والظلام.
لذا ففرضية الإختلاف لا يجب أن تسمو فوق قاعدة التشابه ، الإنساني والحضاري ، فالغاية واحدة مهما إختلفت الوسائل دون إستحواذ للمشروعية والإختلاف ، ومن هنا كانت قاعدة فرق تسد.

* * * * * *

يحضرني لدى الحديث عن الإختلاف والتشابه ومدى أهميتهما ، عند تناول التفاعل الحضاري – الإنساني للإسلام – الآخر ، نقطة وجب ذكرها للتدليل على أهمية الجمع لا الإختلاف .
فمن المعروف عند تناول سلسلة إعتراف الأديان السماوية بعضها ببعض ، أن الأديان السماوية الثلاث يعترف كل منها بسابقه لا بلاحقه ، فالديانة اليهودية لا تعترف لا بالمسيحية ولا بالإسلام ديانات كتابية سماوية ، ولا يمكننا تناسي دور اليهود وأيديهم الملطخة بدم سيدنا المسيح ، مهما تدخلت السياسة والإمبريالية بألاعيبهما لتطال التاريخ بغية تزويره . والمسيحية تعترف بالإرث اليهودي كجزء من ميراث ديني مشترك ، وتنكر سماوية الرسالة الإسلامية ، ومن ثم جاء الإسلام أخيرا ليعترف بسابقيه – اليهودية والمسيحية – جاعلا ذلك الإعتراف المطلق مقابلا لإنكار مطلق منهما ، لينطلق بإعتبارهم حاملين لجزء كبير من الإرث الإنساني والسماوي الذي لا يكتمل الدين الإسلامي إلا بهما ، ليضع اللبنة الأولى للجمع لا الفرقة والإختلاف .
ومن بعض الآيات الكريمة التي جاءت في كتابه العزيز حول هذه النقطة – للمثال لا للحصر- :

قال تعالى : (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) سورة المائدة آية 48
وقال تعالى : (آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وماأوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم بين أحد منهم ونحن له مسلمون)
البقرة آية 136
وقال تعالى : (ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
سورة البقرة آية 285.

Monday 2 November 2009

لن أخرج للقيامة...


بعيدا عنك للغه ثقل وصمت...
ثقل الألم وصمته...

أهرع ههنا للفراغ...
أتودد إليه...
يرفضني...من أنت؟..
أنا؟!!... أنا؟!! ...لا أعلم...

بعيدا عنك لا أعلم لأناي أنا...
في إبتعادي عني...إنتعادا عنك...
للغياب ..غيابك حضور الألم وثقله..

بعيدا عنك ..أتعرف إلى الحاجة الإنسانية الأولى...
أن أكون...
فالفاصل مابن الوجود والعدم خطوط يديك...
سأقاوم موتا بموت بين كفيك...
سأحرب حياة مالم تكن بلون عينيك..
لن أخرج لقيامة ..مالم تخرج هي من يديك...يا أمي
_

إلى أمي وقاهرتي

Monday 12 October 2009

نجمة من سماء المستحيل


كنجمة من السماء سقطت بين كفي، أعلم أن سمائنا لا تحبل بهذا الجمال ، لضيق فضائها ..كمزيج من البرونز والليلك أتتني.. من أي مجلس للآلهة سقطت؟ ولمَّ أنا؟
خبأتها من أعين الناس ، لففتها بخطوط يدي ، و قصدت مسجدا و كنيسا ثم معبدا،حارت بها أدياننا، قالوا لي :(ماأنزل الله بها من سلطان).
حملت نجمتي ،و قررت أن أطوف بها مدن الملح وجبال الآلهة لعالم بلا خرائط..
 حزمت قراءاتي ،رتبت كتبي و كلماتي و موسيقاي و شعري
لففتهم جميعا بخطوطها وانحناءاتها
 وطارت بي كبراق من مستحيل..

 مرت كل خصلة من شعرها بمقام صالح
فتبعثه من جديد
ليقيم دعاءا واحدا :(حرروا اللغة..أطلقوا سراح العشق...إعفوا عن المستحيل).

- إلى أين ترحلين بي؟ حسبتك عبئي؟..سألتها.
-..بل أنت عبئي .... سنرتحل معا لنغير ثوابت الكون من الشمس و القمر..اللغة.. الحب.. الألوهية النبوة.. العشق.. الموسيقى.. الفن.. الأنوثة.. و الرجولة.. حتى (الـ) التعريف..
بكَ سأكتب لوحاً جديدياً لا يحفظه غيرنا..
سنعيد للأرض عذرية حواء.. سنتمرد..سنعيش خارج أسوار التعاريف..خارج حدود المنطق..ستكون الورود لغتنا..سنثمل وردا ..ونعرق نبيذا..سنتنفس موسيقى..ونسامر النجوم..)
.

أرعد صوتها في سمائي ليشق قلبي نصفين..وصية ماض و صك إستسلام

كانت أولى محطاتنا (غلغامش).. الذي خرج من مملكته لينحني شامخا كما يجب أن تكون الآلهة، و يمد سور مدينته الخالد بساطا تطأه بقدم من مرمر، قبَّل يديها بخشوع و نهم أثار غيرتي باديء الأمر ولكن خشوعي كان أعلى من حضور الآلهة.

إلتفت إلي قائلا:( طفت أراض سبع و سماء سبع، ماقدر لي خلودك في خطوطها).
 من سماء لسماء ومن زمن لزمن ،أرى عشاقها في محاريبها ، يتعبدون بلهفة تضيء ألف شمس. هبطنا أرضا كما الجنة، ليخرج علينا في هالة من ضوء و عطر..طاووس إحترف البهاء..قدمتني إليه (طاووس أرغوس). لم أفهم باديء الأمر حتى رد قائلا :(على ذيلي أعين أرغوس التي لا تنام،و التي أثملها هيرمس بنغم إلهي بديع لم ولن يسمع مثله..وقتله فكان ذيلي تكريما له) و أكمل موغلا في عيني: (كانت هي ذلك النغم ).
ورحل عنا ليدخل كرنفالا من الألوان في عينيها.
إلتصقت بي على ظهر الحلم ، ليجمعنا تيار كهربي يمر بين إنحناءاتنا..فكان آخر البحر أول الجسد..
وخلف ذلك البحر كانت بلاد التوابل..الهند.. إنتشينا بدفء الحياة و شموسها الألف ،إلى أن هبطنا حرماً تتوسطه شمس يطوف حولها أفيال كثر ، فتزلزل الأرض تحت أقدامهم، ولكن ما أن هبطنا حتى علا الصمت ،و سجدت الأرض بأفيالها لتمثال من المستحيل.  و إنفتحت الشمس،ليخرج منها (كالي) تتأبطه (راذا)، تعلوهما اللذة و النشوة وإنكسارات الضوء .قوس قزح في بلورات مائية علت جباههم.
 ( ملحمتنا لن تكتمل إلا بكما،قاموس أنوثة لألف لغة،وغرور رجل إلهي).
هكذا قالا...

عادت بي كغزال بين ركبتي نجمة تغتسل خلسة بماء اللذة، حيث المدينة الحلم، هبطنا الكولوسيوم* فجرا و الشمس شاهدنا.. فهتفت جماهيري:( قبل يدها....قبل يدها). وماأن فعلت حتى إكتمل الهلال بدرا ..عرفت حينها أنها خلقتني إلها للرجولة بمفردات أنوثتها فقط .

Sunday 11 October 2009

المعرفة و القوة : الخارطة الثقافية


إن الخارطة الثقافية العربية في الفترة الأخيرة ، ولدى تعاملها مع ثقافة الآخر ، يمكننا القول أنها تنقسم بحسب مفردات ذلك التعاطي إلى:

1. تيار متماهي مع كونية ثقافة الآخر – الغرب ، لا يملك بنية نقدية عقلية موضوعية تميزه عدا عن كونه إستمرارية وتبعية ثقافية وفكرية للآخر ، فما فعله الآخر يجب أن نفعله ، وما أنتجه يجب أن ننتجه وما آمن به يجب أن نؤمن به ، وبالرغم من تعاظم قاعدة ذلك التيار إجتماعيا و إنتشاره ن إلا أنه لايملك نتاجا فكريا يميزه لذاته عدا عن كونه عملية بسترة فكرية أو بالأصح لا يعدو أن يكون مجرد عملية ترجمة ، كما أننا لايمكننا أن ننفي عنه كونه حالة إنفعالية طبيعية للمشهد المهزوم والمفلس سياسيا و ثقافيا وإجتماعيا وحقوقيا وحتى تاريخيا، تلك الحالة الناقمة على الماضي والحاضر، الداعية لإلصاق المستقبل بالآخر ، وتلك الحالة أيضا وإن كانت فكرية فهي لا تعد خروجا عن ثقافة الإستهلاك والصورة كما يدعي أصحابها.
فذلك التيار يمثل إستسلاما سهلا أمام سلطة الحداثة الثقافية والفكرية الغربية ، و التخلي عن الكثير من عناصر التكوين الثقافي والهوية الحضارية.

2. التيار الثاني يمثل حالة الرفض والتقوقع القصوى على الأصالة – وفي لفظ أدق الأصولية - ، في صورة بالغة الإدعاء و النرجسية تمثل إمتدادا لذكريات تاريخية بعدت عن أرض الواقع.
يدعي هذا التيار أن الفكر العربي – والإسلامي تباعا- في غنى عن أي مصدر إنساني آخر للتفاعل ، فلا فضل –في نظره – للثقافة الغربية على العربية سوى بما تمده بها من عتاد مادي أعمى ، ولكأن ذلك العتاد العلمي المادي لم يأت نتاجا عن تطور ثقافي.
فهذا التيار على عكس سابقه يرفض كونية الثقافة الغربية ، ويشدد على مقولة الخصوصية الثقافية و الإختلاف حد فوق الحدود الفصل فوق الحدود الإنسانية ، مما يخلق حسا كاذبا بالعليائية و الأفضلية ، فهو لا يعترف بثقافة الآخر سوى كعدو طامح للسيطرة في إطار الكثير من الصور منها نظرية المؤامرة ، والإستحواذ على دور الضحية وما تسبغه من صبغة البراءة.
وذلك التيار الرافض إنما يفرض على نفسه حرمانا قاتلا وعزلة عن تسلسل التطور الفكري الإنساني المعرفي ، لذا فهو الحالة الأشد إفلاسا فكريا . ن وثقافيا، لذا فمن الطبيعي أن يلجأ الكثيرون من أعلام ذلك التيار إلى الإدلاء بدلوهم في كل المجالات بداية من السياسة و الإقتصاد مرورا بالفنون وصولا إلى اللغويات والعلوم الحياتية ، فقط لتوظيف أبجديات الرفض وديباجة المؤامرة.

3. (تيار الثقافة النقدية) وهو التيار الثالث على خريطة الحياة الثقافية في عالمنا العربي ، وهو تيار قائم على الإنفتاح على الآخر و إستيعابه وإمتصاص نتاجه ومن ثم تفنيده وتنقيحه ، بمعنى أن لا يتماهى ملتصقا بثقافة الآخر نتيجة لحالة إنفعالية رافضة وناقمة بغض النظر عن خواصها وقابليتها للتطبيق بحسب تفرد كل مجتمع وثقافته وهويته ،وفي نفس الوقت هولا يرفض الآخر جملة وتفصيلا وينغلق على نفسه .
وما يمكن ملاحظته أن هذا التيار إنما يعاني حالة من الرفض والهجوم من التيارين السابقين ، الأول بتهمة الرجعية و التخلف ، و الثاني بتهمة التغريب ، في حين أن ثقافة النقد هي الثقافة الأصح و الأكثر إنتاجية من ثقافة لا تتعدى كونها تطورا بكتيريا يعيش متطفلا على مضيفه لا يتميز ولا يتطور لذاته وبقاؤه معلق ببقاء مضيفه ، و أخرى هي حالة ديناصورية تتجه نحو الإنقراض مالم تتطور.

Saturday 26 September 2009

المعرفة و القوة : ما بين نيتشه وإدوارد سعيد



" كونوا قطاع طرق وفاتحين مالم تستطيعوا أن تكونوا مهيمنين أو مالكين ، أنتم رجال المعرفة ، قريبا ستمضي العهود التي كان يكفيكم فيها أن تعيشوا مختفين في عمق الغابة مثل الأيائل ! وأخيرا ستضع المعرفة يدها على كل ماحولها ، سترغب في أن تسود وتملك ، وستسودون معها وتملكون"

فريدريك نيتشه

إن فكرة (السيد و العبد) التي كنت المحور الأكثر بروزا وديناميكية في فلسفة نيتشه كانت فاتحة للكثير من الأفكار التي نراها مزدوجة المرجع لدى التعامل مع ثوابت الإنسانية كالأخلاق و الثقافة و المعرفة والحريات والتي تختلف فرديا وليس طبقيا كما لدى الفلسفة النيتشويه. فنيتشه الذي كان يرى في إنتشار المعرفة و الثقافة بين العامة في أوروبا إنما هو بداية إنهيار للحضارة الأوروبية ، لما في ذلك من إقتسام للحريات والواجبات و المراتب مما سيعمل على ترويض الإنسان وليس أنسنة الوحش بداخله .

فنيتشه صاحب مقولة (إن الرب قد مات ) الخالدة يرى في إقتسام المعرفة و الحريات بين البشر قضاءا على الجانب الحر الطبيعي في الإنسان وهو الجانب الفاعل فيه والأكثر إنتاجية ، وهي ذات الحجة التي عارض فيها نيتشه أفلاطون الذي طرد الفنانين من مملكته الفاضلة ، حيث أن نيتشه يرى وجوب عدم سيطرة العقل في الحياة الإنسانية بهذا الشكل الغير متناهي، لأنه بذلك سيطغى ويدمر الجزء الإنساني الطبيعي الخارج من رحم الطبيعة و المساق بالشهوات و النداءات الفسيولوجية وحب السطوة ، وهو الجزء الأغزر إنتاجا فنيا وإبداعيا .

فنيتشه الذي نادى بأفضلية الجنس الأبيض وتميزه ، وكون ذلك الجنس هو صاحب النتاج الثقافي الأنقى والأفضل والأكمل على إعتبار أن الثقافة بكل ميكانيكياتها ترتبط إرتباطا وثيقا بالخواص الجسدية والفسيولوجية لأصحابها فالجنس الأوروبي والآري تحديدا ومثال ذلك الأغريق هو المثال الأكمل والأجمل فسيولوجيا لدى لذا فهو الاقدر على إنتاج حضارة وثقافة عظيمة على غرار الإغريقية مما يضع على عاتقه – من وجهة نظر نيتشه – فرض ثقافته الأقوى والأفضل والانقح وهي ههنا ثقافة السيد على ثقافة العبد وهو الآخر الملون صاحب الثقافة الأدنى ‘ لذا فالمعرفة لدى نيتشه لاتعدو كونها جزءا من العملية السياسية لفرض السيطرة المعرفية وإدماج الآخر الأدنى (العبد) في عجلة التطور والتنقيح التي يقودها الأوروبي ذو السيادة.


أما المفكر إدوارد سعيد والذي تناول في العديد من كتبه وحياته الأكاديمية وأبحاثه مناقشة إحدى أهم العمليات المعرفية في التاريخ وأبعادها السياسية ألا وهي الإستشراق والذي تنأى عن كونها عملية صافية النوايا لتقديم الشرق للغرب وتكاد أن تكون جزءا من العملية السياسية وسلاحا إمبرياليا يوظف المعرفة ضمن سياق سياسي ليس إلا ، فالإستشراق لدى سعيد هو إلقاء الضوء على الشرق بغية تطويعه إمبرياليا وثقافيا للغرب ، فالكثير من صور المعرفة الأدبية بالشرق قدمته ضمن إطار مايريد أن يراه الغرب لا كما هو عليه ، مثال ذلك رواية (قلب الظلام) للكاتب جوزيف كونراد والتي إستحوذت من دراسات سعيد النقدية والسياسية نصيب الأسد ، والتي كانت مثالا واضحا – لدى سعيد – لتطويع المعرفة كأداة سياسية ، وما نتج عن ذلك من حركات أدبية وطنية مضادة وصلت لوصف تلك النوعيات من المعرفة الموجهة سياسيا ، بأنها إنتاجات لا يجب أن يقرؤها الأفارقة والعالم لأبعادها الإمبريالية وليس لأبعادها الفنية وغناها المعرفي الذي يفترض أن يكون بريئا وبعيدا عن السياسة وخادما للفكر فقط.

لذا فالمعرفة لدى إدوارد سعيد في أطروحاته لاعلاقة لها بكينونة الفكرة أيا كانت بقدرما لها علاقة بقيمة توظيف الفكرة سياسيا و إمبرياليا ، فالرابط بين المعرفة و القوة من وجهة نظر إدوارد سعيد عملية ديناميكية وصلت حد إنتاج بعض المؤسسات العلمية والمفترض بها أن تكون مؤسسة بحث موضوعي جاد وحيادي ولكنها مؤسسات وظيفتها إعمال المعرفة لبسط القوة ، مثال ذلك كان (التجمع الملكي الجيوغرافي) في لندن والذي جاء على لسان مديره عالم طبقات الأرض والجيوغرافي رودني مورشيسون : (مهمة التجمع ليست إكتشاف أفريقيا بقدر ما هي مهمة عسكرية).


يقول إدوارد سعيد : ( إن وجود علاقة وثيقة مابين السياسة والإستشراق ، أو لنضع الأمر بشكل اكثر إحتراسا إن الإحتمال الكبير لإستخدام الأفكار المستنبطة حول الشرق من الإستشراق لأغراض سياسية هو حقيقة هامة لكنها حقيقة حساسة جدا فهي تثير أسئلة حول النزوع الطبيعي للبراءة أوالذنب ، حول النقاء من التحيز في البحث العلمي أو تواطؤ التجمعات التي تمارس الضغوط في ميادين مثل دراسات السزد ودراسات المرأة ، وهي بالضرورة تستفز شعورا بالقلق في ضمير المرء حول التعميمات الثقافية والعرقية والتاريخية وحول إستخداماتها وجدواها ودرجة الموضوعية فيها ونواياها الأساسية ).


بعد هذا الإستعراض السريع للإزدواجية العلاقة ما بين المعرفة و القوة ، أو الثقافة و السياسة من وجهة نظر الفيلسوف الألماني نيتشه و المفكر إدوارد سعيد ، إلا أن كلا من الأطروحتين في نظرنا قد تجاهلت عامل الزمن ، وهو أحد العوامل الهامة بجانب الكثير أيضا منه الإقتصاد والحريات والأديان والتعليم والمؤسسات المدنية مما يصل بنا لمنظومة العولمة والتي لن تكفيها ساحتنا للعرض ههنا إلا تباعا في مقالات مقبلة .

وبالعودة للزمن وتحديدا زمن إنتقال المعرفة وإرتباط ذلك الزمن بالعامل السياسي وإلتقاء الثقافات وليس صراعها ، أجد نفسي أعود لذكر أحد أهم النظريات في عصرنا الحديث وهي نظرية المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي التي ذكرها في نص نشر عام 1973 موضحا مسار الإنسانية في ثلاثة مراحل، و التي أوردها أنا هنا بكثير من الإيجاز:

1.
في المرحلة الأولى (ماقبل التاريخ) كانت الإتصالات بطيئة للغاية و تطورات المعرفة تسير بشكل أبطأ ، حيث كان كل جديد أمامه مايكفي من الوقت لينتشر حول العالم، قبل أن يأتي جديد آخر ، لذا فقد كانت المجتمعات الإنسانية تملك الدرجة ذاتها من التطور، و الكثير من الخصائص المشتركة.

2.
أثناء الفترة الثانية كان تطور المعارف أسرع من إنتشارها لبطء وسائل الإتصالات ، فأصبحت المجتمعات أكثر فأكثر تمايزا في كل المجالات وقد دامت تلك الفترة من السنين آلافا فيما نسميه بالتاريخ

3.
الفترة الثالثة تتقدم أثناءها المعارف و العلوم بصورة متسارعة ، وإنتشارها من هنا إلى هناك يسير بشكل أسرع ، لدرجة أن المجتمعات الإنسانية ستجد نفسها أقل فأقل تمايزا ، ولديها من نقاط الإلتقاء و التشابه الكثير و الكثير.


أما تعريف "الثقافة" كما وردت في كما ورد في كتاب عالم الأجناس البريطاني السير إدوارد بيرنت تايلور (الثقافة البدائية) والذي نراه منطقيا جدا ومبسطا :

الثقافة هي كل مركب يشمل المعرفة والعقيدة والأخلاق والقانون و العادات وأية إمكانات أو ممارسات يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع ).


وإنطلاقا من هذا التعريف وبإعمال نظرية أرنولد توينبي في تواصل الثقافات و المجتمعا في زمن الفضاء المفتوح والعالم – القرية ، يمكننا القول أن عناصرنا وموروثاتنا الثقافية و المعرفية ستكون بسبب المماهاة مابين الحضارات عرضة للنقد والتفكير مرارا وتكرارا لتجد لها مكانا على قائمة البقاء ، وبالذات بعد أن إنفصل التواصل الإنساني عن الآلة السياسية والنظامية (وليست الإقتصادية بعد) بشكل كبير فاصبح لأغلبنا نفاذة يحادث العالم منها وينشر فكره وآراءه .

إن حاجتنا لتنقيح موروثاتنا الثقافية والمعرفية وكسر قاعدة الأصاله لصالح التحديث تحت قاعدة النقد و النقد الذاتي وقبول الإختلاف هو ضرورة بقاء قاعدتها الفكرة الأصلح والأكثر تماشيا مع الفكر الإنساني وتفاصيل الراهن والتاريخ.

إن تحرر المعرفة بشكل كبير عن ركب السياسة ، ولو بشكل غير مكتمل يعطينا فرصة سانحة وقوية للتفاعل مع الحضارات وليس الصراع ، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود حضارات يتهددها الفناء وليس الصراع إنها الحضارات التي عزفت عن التواصل مع الآخر وإلتصقت بالتأصيل حد تجاهلها لنداءات التحديث والتواصل مع الذات والآخر ضمن مرجعية العقل و الصلاحية ، كما أيضا هي الحضارة أو الثقافة التي أخذت من الآخر كل شيء في إمتصاص بعد عن النقد والتنقية على أساس تفردها عن ذلك الآخر.

وللوصول لتلك المرحلة من التفاعل الحضاري والثقافي و المعرفي المنتج يجب :

  1. التعامل مع المعرفة بحكم أنها تسيرحسب قاعدة النشأة والتطور بالتراكم ، لذا فهي تنشأ وتتطور بالتعامل مع المنظومات والأفكار المختلفة بدون تجاهل هويتها المميزة لها.
  2. إن المعرفة و الثقافة تنمو بالحوار والتبادل ، وقاعدة أي حوار النقد والمساءلة والذين ينتجان من ثقافة الإختلاف وإحتواء الآخر.
  3. إن الفكر و الثقافة ليسا بنية معرفية مغلقة تتناسل فيما بينها كالمستعمرة المغلقة ، بل هي تعبير عن المحيط التاريخي و الواقعي ، بكل مافيه من مترادفات ومتضادات ، لذا فالثقافة و الفكر يكتسبان قيمتهما الحضارية من قدرتهما على تمثيل اللحظة التاريخية و التعبير عنها تلك اللحظة التي تحتوينا نحن و الآخر ، ومن ثم تغييرها للأفضل.

وللحديث بقية....

Sources:

1.BEYOND GOOD AND EVIL by FRIDRICH NIETZSCHE.

2.THE GENEALOGY OF MORALS by FRIDRICH NIETZSCHE.

3.ORIENTALISM by EDWARD W. SAID

4.CULTURE AND IMPERIALISM by EDWARD W.SAID

5.

الأنا والآخر مجموعة مقالات بإشراف د. محمد عابد الجابري.

Saturday 19 September 2009

Between Two Cultures


The resulting images – the caricatures of the inscrutable Orients , the mysterious east , the evil and terror of the Arab world- why they were necessarily created?

I think ignorance played a big role. There was an hostility that prevented what I would call the normal exchange between cultures. One of the things that is quite amazing is that there is a rather stubborn continuity between European views of Islam in the twelfth century and European views of Islam in the eighteenth, nineteenth and twentieth centuries: they simply don’t change. First of all, I argue there's no such thing as Islam, pure and simple; there are many Muslims and different kinds of interpretations of Islam-that was the subject of another book, called COVERING ISLAM. There's tendency always to homogenize and to turn the other into something monolithic, partly out of not only ignorance but also fear because the Arab armies came into Europe and were defeated in the fourteenth and fifteenth centuries. So there is that long standing sense. Then of course they are part of the monotheistic trilogy. Islam is the latest of the two other great monotheistic religions, Judaism and Christianity, and there is a sense in which the closeness of Europe of the Arab and Islamic world is a source of great unease. Nothing is easiest for people to deal with something that is different than the portray it as dangerous and threatening and to reduce it ultimately to a few clichés.
That’s what's really appalling, that the whole history of this creation of the orient involves a continuous diminishment, so that now, for example, in the western press, the things you read about Islam and the Arab world are really horrendously simplified and completely belie the two or three hundred years of close contact between Europeans and to some degree Americans on the one hand and the Arab and Muslims on the other. It's as if they have always been standing on opposite side of some immense ditch and all they do is throw rotten food at each other.

And that's not changing?

No, I think it's actually getting worse*. At times of crisis, such as during the Gulf War and also on a continual daily basis in the media in America, the clichés are getting less interesting and less forgiving and less "true". The correspond les to any conceivable human reality. Islam in the west is the last acceptable racial and cultural stereotype that you can fling about without any sense of bad manners or trepidation.

Why do you think that is?

There are many reasons for it but I think the main one is that there's no deterrent. No western, or let's say North American person, knows very much about Islamic world*. It's out there, it's mainly desert, a lot of sheep, camels, people with knives between their teeth, terrorists, etcetera. The cultural heritage, the novels and other books that appear in English, are never paid attention to. There's nothing to prevent people here –in the united states- from saying what they wish. On the other hand the Arab and Muslims have not really understood the politics of cultural representations in the West. Most of the regimes in the Arab world are basically dictatorial, very unpopular, minority regimes of one sort or another; there are not interested in saying anything about themselves because it would expose them to justified criticism. The myths about America and the west in the Arab world are equally clichéd: All Americans are oversexed and they eat too much. The result where there should be humans presence there is vacuum, and where there should be exchange and dialogue and communication, there is a debased kind of non-exchange.

* * * *

(from:
POWER, POLITICS AND CULTURE: Interviews with EDWARD W.SAID)

Monday 7 September 2009

(INGLOURIOUS BASTERDS)والخطأ الطباعي مقصود



إن المراقب للساحة السينمائية العالمية ، لا يمكنه تجاهل ظاهرة تبدو واضحة على سطح الحركة السينمائية العالمية وهي الأفلام التي تدور في فلك : هتلر – النازية – المحرقة – الحرب العالمية وطبعا اليهود ، ولا يمكننا إلا أن نربط العامل الزمني لظهور هذه الأفلام بهذا الزخم وإعتلاء إدارة جديدة قمة العمل السياسي في المكتب البيضاوي ، تلك الإدارة التي إتخذت لنفسها بعدا صوتيا جديدا في التعامل مع الآخر العربي – الإسلامي.
وسبب إختياري لوصف البعد الأوبامي الجديد في الإدارة بالبعد الصوتي ، كونه لم يخرج بعد من رحم الصوت ليتجسد على أرض الواقع ، حتى بعد سكوت التهليل والتصفيق وفض المائدة الرمضانية في البيت الأبيض ، ليظهر لنا سيد الأفعال لا الأقوال السيد نتن ياهو ، ليفتح الباب أمام عملية الإستيطان في القدس ضاربا بعرض الحائط أصواتنا ، المشغولة بالإحتفال بمسرحية الإنتخابات الفلسطينية الكرتونية التي لم تتعد مسرحية عرائس بأيد إسرائيلية وأختام عبرية.
هذا من ناحية ، أما الأخ الفلسطيني الآخر الحمساوي والذي لم يفق بعد من حالة الغباء السياسي المزمن وعصور الجاهلية الأولى فلايزال مشغولا بالحجاب ليفرضه على المحاميات وطالبات المدارس وكأنه بذلك سيحل مشكلة الفقر و البطالة والحصار بقميص عثمان الذي إرتدته حماس لا ينزعنه غير إله إحتجب في السماء السابعة.

وبالعودة لحديثي عن السينما ، والذي حركه فيلم
(INGLOURIOUS BASTERDS)
، والذي يدور في نفس الفضاءات السالفة الذكر ولكن بإتجاه عكسي يميزه بشكل أو بآخر ، ففي أحد المشاهد نرى مجموعة من الناس يساقون كرها إلا أحد المباني وتغلق عليهم الأبواب ومن ثم تضرم النيران في المكان لتلتهمهم ، ليصور لنا المخرج العبقري كونتين تارنتينو تفاصيل التمسك الإنساني بالحياة والصراخ والطرق العنيف على الأبواب ، ولكن المفاجأة تكمن في ان هؤلاء الضحايا نازيون ، وليس كما ظننت وظن الجميع يهودا.

وقد علق تارنتينو على الفيلم قائلا :
يعجبني ان قوة السينما هي التي تتصدى للنازيين ، ليس بالشكل المجازي إنما بشكل واقعي .

ومن ثم تصف مجلة النيوزويك الأمريكية الفيلم : في فيلم كونتن تارينتينو عن الحرب العالمية الثانية الطيبون هم الذين يتصرفون كالمجرمين ...يالها من فكرة رهيبة.

وطبعا إستوقفتني هذه العبارة والتي وكعادة الإعلام الأمريكي ، لم تخرج عن كونها حكما مسبقا ظالما وغير موضوعي بل يعاني في نصه حالة من الإزدواجية فكلمة (الطيبون) وتقصد اليهود تعتبر حكما يقضي بثبات تلك الطيبة في حين أنهم (يتصرفون كالمجرمين) ، لتصبح الفكرة حينها (رهيبة) ، لأتسائل ههنا : أي جزء هو الرهيب تحديدا وصف اليهود إجمالا (بالطيبين) أم (كونهم يتصرفون كالمجرمين ) على أرض الواقع؟

لأجد الإجابة المنطقية تاريخيا وواقعيا ومنطقيا أن وصف اليهود إجمالا بالطيبة يكمن وصفه مجاملة ب (الرهيب).

من المؤلم أن يصل حد تزوير التاريخ إلى هذا الحد من الدعر ، ففي حين أنني لا أنكر المحرقة ولا أنكر الحق اليهودي الأدبي في التباكي ولعب دور الضحية ، إلا أنني أستنكر الإحتكار الإسرائيلي لهذا الدور دونا عن الغجر مثلا أو الألمان الذين ذاقوا نيران الأتون النازي بدورهم.
ذلك الإحتكار الذي حول المجني عليه جانيا ، وجعل إنتقامه إستحقاقا الشيء الغير مقبول عقليا ومنطقيا وتاريخيا وحتى إنسانيا لأن الجريمة لا تقوم بجريمة مساوية لها في المقدار ومختلفة معها في الإتجاه و الزمان و المكان وحتى الضحية ، لتقهر شعبا آخر ووطنا آخر لأن شعبا ثالثا في وطن ثالث وتاريخ ثالث قد أجرم في حقهم.
فالإستحواذ الإسرائيلي على دور الضحية ، قتل لديهم الحس الإنساني بمأساة الشعوب الأخرى ومعاناتهم وجعل من الستة ملايين يهودي - إن صح الرقم - ثمنا لابأس به لوطن ليس لهم .
كما أن ذلك الإحتكار قد ربى لدى الإسرائيلي حسا زائفا بمراقبة التاريخ فمن يجرؤ على البحث و الإنتقاد والتساؤل عن صحة الهولوكوست إنما هو عدو للسامية كما حدث مع المؤرخ الإنجليزي ديفيد إيرفينغ.
وتطور ذلك الحس ليصبح رقيبا على الإنسانية وحب الحياة ، لنرى أن الإسرائيلين يعتبرون من خروج العرب ذريعة للإدعاء بغياب حس الإنتماء للوطن ، متجاهلين برعونة الجهل والخيانة العربية عوامل من أهمها توحش عصابات اليهود وعودتهم لعصور آكلة لحوم البشر والنكبة العربية والبندقية الإنجليزية والذين جميعا وقفوا حراسا على الحياة- الوطن.

وهنا يحضرني ، خطاب السيد باراك أوباما في القاهرة والذي شهدت حينه وسائل الإعلام الإسرائيلية على الإنترنت حالة تصادم بين اليهود-الإسرائيلين من جهة والأمريكيين الذين وعوا أخيرا لضرورة السؤال القائل ماسر هذا الدعم الأمريكي المطلق للكيان الإسرائيلي؟
ذلك الصدام الذي جعل اليهود وكعادتهم يلجؤون لبطاقة الإتهام الجوفاء الدائمة (معاداة السامية) ، مصورين السيد أوباما بكوفية ياسر عرفات.

قد يستغرب البعض حينما أقول أنني لا أخفي سعادتي بحالة التصادم تلك ، وجهود الجوقة الإعلامية والسينمائية اليهودية لبث ترانيم سلامهم الدامي في المحافل الدولية ، لأن ذلك التصادم سيدفع الكثيرين للتساؤل عن الحقيقة والبحث عنها في فضاء المعلومة والإنترنت و التاريخ والواقع ليجدوا أن فلسطين هي أرض لشعب أصبحت فاتورة الإنسانية لشعب لم يكونوا بلا أرض.

ولكنني أيضا أرى من الضروري ذكر متلازمة العار العربي ، حينما أتذكر مخرجنا العبقري رحمه الله العقاد الذي طالته يد الإرهاب ، حينما إقترح على صاحب شركة ال 100 مطرب ومطربة الأمير الوليد بن طلال تمويل أحد الأفلام التي تتحدث عن بطلنا صلاح الدين الأيوبي والقدس تحت الحكم الإسلامي بمشاركة البعض من رجال الأعمال العرب والأجانب ليرد صاحب السمو رافضا بحجة أنه مشروع غير مربح .
لأجد نفسي لا إراديا أبحث لسمو الأمير عن حجة تتناسب والعقلية العربية الإستهلاكية لأجد :
مقياس النجاح لدى البعض هو هيفاء وهبي.
ونكون فعلا بمعية أمثاله قد أصبحنا:
INGLOURIOUS BASTARDS (وللتصحيح المطبعي ههنا معنى)
وهنا تحضرني عبارة على لسان بطل فيلم تارنتينو هانز لاندا:
يمكن للوقائع أن تكون مضللة.
__________________________________________________________________
على هامش المقال أعلاه لا أملك سوى أن أشكر وأبدي إعجابي برموز السينما الأمريكية والعالمية كين لوتش وجين فوندا ودفيد بايرن وجون جريسون ، الذين وقعوا عريضة إعتراض ومقاطعة لمهرجان تورنتو الدولي للأفلام والذي خصص للحديث عن إسرائيل – تل أبيب ، وأصدر نعيي للعرب وفنانيهم الذين شاركوا بخجل بفلمين إثنين عن فلسطين ، فحينما يسألني أحد أين هي الحركة الفنية العربية عن منابر العالم وعرض القضية ، أجيب أنهم إعتزلوا العالم وقاطعوه لعل الله يبدل الزمن بآخر أو ان يقاتل عنهم ، ولحين حدوث ذلك سيتفرغون لهيفاء وهبي تحت لافتة المقاطعة.
___________________________________________________________________
بعض الافلام عن الحرب العالمية وهتلر و المحرقة والنازية:
- THE PRODUCERS BY MILL BROX 1968
- LIFE ID BEAUTIFUL ROBERTA PIENNINII 1997
INGLOURIOUS BASTERDS BY QUENTIN TARNTINO 2009 -
DEFIANCE 2008 –
- VALKYRIE 2008.