Monday 12 October 2009

نجمة من سماء المستحيل


كنجمة من السماء سقطت بين كفي، أعلم أن سمائنا لا تحبل بهذا الجمال ، لضيق فضائها ..كمزيج من البرونز والليلك أتتني.. من أي مجلس للآلهة سقطت؟ ولمَّ أنا؟
خبأتها من أعين الناس ، لففتها بخطوط يدي ، و قصدت مسجدا و كنيسا ثم معبدا،حارت بها أدياننا، قالوا لي :(ماأنزل الله بها من سلطان).
حملت نجمتي ،و قررت أن أطوف بها مدن الملح وجبال الآلهة لعالم بلا خرائط..
 حزمت قراءاتي ،رتبت كتبي و كلماتي و موسيقاي و شعري
لففتهم جميعا بخطوطها وانحناءاتها
 وطارت بي كبراق من مستحيل..

 مرت كل خصلة من شعرها بمقام صالح
فتبعثه من جديد
ليقيم دعاءا واحدا :(حرروا اللغة..أطلقوا سراح العشق...إعفوا عن المستحيل).

- إلى أين ترحلين بي؟ حسبتك عبئي؟..سألتها.
-..بل أنت عبئي .... سنرتحل معا لنغير ثوابت الكون من الشمس و القمر..اللغة.. الحب.. الألوهية النبوة.. العشق.. الموسيقى.. الفن.. الأنوثة.. و الرجولة.. حتى (الـ) التعريف..
بكَ سأكتب لوحاً جديدياً لا يحفظه غيرنا..
سنعيد للأرض عذرية حواء.. سنتمرد..سنعيش خارج أسوار التعاريف..خارج حدود المنطق..ستكون الورود لغتنا..سنثمل وردا ..ونعرق نبيذا..سنتنفس موسيقى..ونسامر النجوم..)
.

أرعد صوتها في سمائي ليشق قلبي نصفين..وصية ماض و صك إستسلام

كانت أولى محطاتنا (غلغامش).. الذي خرج من مملكته لينحني شامخا كما يجب أن تكون الآلهة، و يمد سور مدينته الخالد بساطا تطأه بقدم من مرمر، قبَّل يديها بخشوع و نهم أثار غيرتي باديء الأمر ولكن خشوعي كان أعلى من حضور الآلهة.

إلتفت إلي قائلا:( طفت أراض سبع و سماء سبع، ماقدر لي خلودك في خطوطها).
 من سماء لسماء ومن زمن لزمن ،أرى عشاقها في محاريبها ، يتعبدون بلهفة تضيء ألف شمس. هبطنا أرضا كما الجنة، ليخرج علينا في هالة من ضوء و عطر..طاووس إحترف البهاء..قدمتني إليه (طاووس أرغوس). لم أفهم باديء الأمر حتى رد قائلا :(على ذيلي أعين أرغوس التي لا تنام،و التي أثملها هيرمس بنغم إلهي بديع لم ولن يسمع مثله..وقتله فكان ذيلي تكريما له) و أكمل موغلا في عيني: (كانت هي ذلك النغم ).
ورحل عنا ليدخل كرنفالا من الألوان في عينيها.
إلتصقت بي على ظهر الحلم ، ليجمعنا تيار كهربي يمر بين إنحناءاتنا..فكان آخر البحر أول الجسد..
وخلف ذلك البحر كانت بلاد التوابل..الهند.. إنتشينا بدفء الحياة و شموسها الألف ،إلى أن هبطنا حرماً تتوسطه شمس يطوف حولها أفيال كثر ، فتزلزل الأرض تحت أقدامهم، ولكن ما أن هبطنا حتى علا الصمت ،و سجدت الأرض بأفيالها لتمثال من المستحيل.  و إنفتحت الشمس،ليخرج منها (كالي) تتأبطه (راذا)، تعلوهما اللذة و النشوة وإنكسارات الضوء .قوس قزح في بلورات مائية علت جباههم.
 ( ملحمتنا لن تكتمل إلا بكما،قاموس أنوثة لألف لغة،وغرور رجل إلهي).
هكذا قالا...

عادت بي كغزال بين ركبتي نجمة تغتسل خلسة بماء اللذة، حيث المدينة الحلم، هبطنا الكولوسيوم* فجرا و الشمس شاهدنا.. فهتفت جماهيري:( قبل يدها....قبل يدها). وماأن فعلت حتى إكتمل الهلال بدرا ..عرفت حينها أنها خلقتني إلها للرجولة بمفردات أنوثتها فقط .

Sunday 11 October 2009

المعرفة و القوة : الخارطة الثقافية


إن الخارطة الثقافية العربية في الفترة الأخيرة ، ولدى تعاملها مع ثقافة الآخر ، يمكننا القول أنها تنقسم بحسب مفردات ذلك التعاطي إلى:

1. تيار متماهي مع كونية ثقافة الآخر – الغرب ، لا يملك بنية نقدية عقلية موضوعية تميزه عدا عن كونه إستمرارية وتبعية ثقافية وفكرية للآخر ، فما فعله الآخر يجب أن نفعله ، وما أنتجه يجب أن ننتجه وما آمن به يجب أن نؤمن به ، وبالرغم من تعاظم قاعدة ذلك التيار إجتماعيا و إنتشاره ن إلا أنه لايملك نتاجا فكريا يميزه لذاته عدا عن كونه عملية بسترة فكرية أو بالأصح لا يعدو أن يكون مجرد عملية ترجمة ، كما أننا لايمكننا أن ننفي عنه كونه حالة إنفعالية طبيعية للمشهد المهزوم والمفلس سياسيا و ثقافيا وإجتماعيا وحقوقيا وحتى تاريخيا، تلك الحالة الناقمة على الماضي والحاضر، الداعية لإلصاق المستقبل بالآخر ، وتلك الحالة أيضا وإن كانت فكرية فهي لا تعد خروجا عن ثقافة الإستهلاك والصورة كما يدعي أصحابها.
فذلك التيار يمثل إستسلاما سهلا أمام سلطة الحداثة الثقافية والفكرية الغربية ، و التخلي عن الكثير من عناصر التكوين الثقافي والهوية الحضارية.

2. التيار الثاني يمثل حالة الرفض والتقوقع القصوى على الأصالة – وفي لفظ أدق الأصولية - ، في صورة بالغة الإدعاء و النرجسية تمثل إمتدادا لذكريات تاريخية بعدت عن أرض الواقع.
يدعي هذا التيار أن الفكر العربي – والإسلامي تباعا- في غنى عن أي مصدر إنساني آخر للتفاعل ، فلا فضل –في نظره – للثقافة الغربية على العربية سوى بما تمده بها من عتاد مادي أعمى ، ولكأن ذلك العتاد العلمي المادي لم يأت نتاجا عن تطور ثقافي.
فهذا التيار على عكس سابقه يرفض كونية الثقافة الغربية ، ويشدد على مقولة الخصوصية الثقافية و الإختلاف حد فوق الحدود الفصل فوق الحدود الإنسانية ، مما يخلق حسا كاذبا بالعليائية و الأفضلية ، فهو لا يعترف بثقافة الآخر سوى كعدو طامح للسيطرة في إطار الكثير من الصور منها نظرية المؤامرة ، والإستحواذ على دور الضحية وما تسبغه من صبغة البراءة.
وذلك التيار الرافض إنما يفرض على نفسه حرمانا قاتلا وعزلة عن تسلسل التطور الفكري الإنساني المعرفي ، لذا فهو الحالة الأشد إفلاسا فكريا . ن وثقافيا، لذا فمن الطبيعي أن يلجأ الكثيرون من أعلام ذلك التيار إلى الإدلاء بدلوهم في كل المجالات بداية من السياسة و الإقتصاد مرورا بالفنون وصولا إلى اللغويات والعلوم الحياتية ، فقط لتوظيف أبجديات الرفض وديباجة المؤامرة.

3. (تيار الثقافة النقدية) وهو التيار الثالث على خريطة الحياة الثقافية في عالمنا العربي ، وهو تيار قائم على الإنفتاح على الآخر و إستيعابه وإمتصاص نتاجه ومن ثم تفنيده وتنقيحه ، بمعنى أن لا يتماهى ملتصقا بثقافة الآخر نتيجة لحالة إنفعالية رافضة وناقمة بغض النظر عن خواصها وقابليتها للتطبيق بحسب تفرد كل مجتمع وثقافته وهويته ،وفي نفس الوقت هولا يرفض الآخر جملة وتفصيلا وينغلق على نفسه .
وما يمكن ملاحظته أن هذا التيار إنما يعاني حالة من الرفض والهجوم من التيارين السابقين ، الأول بتهمة الرجعية و التخلف ، و الثاني بتهمة التغريب ، في حين أن ثقافة النقد هي الثقافة الأصح و الأكثر إنتاجية من ثقافة لا تتعدى كونها تطورا بكتيريا يعيش متطفلا على مضيفه لا يتميز ولا يتطور لذاته وبقاؤه معلق ببقاء مضيفه ، و أخرى هي حالة ديناصورية تتجه نحو الإنقراض مالم تتطور.