Wednesday 22 September 2010

في الهوية

1.      الهوية هي حالة "سعي" لا يكتمل أبدا.
2.      الهوية لاتعود أبدا لنقطة الصفر.
3.      الهوية بالتراكم.
4.      الهوية هي الإحتواء و الوعي بحالة "سعي الذات للإكتمال".
5.      الهوية هي الإحتواء و الوعي بحالة "نقصان الذات الساعي للإكتمال".
6.      الهوية هي انثى ، لغة ، وطن ، لحن ...الهوية حاجة.
7.      الهوية هي اتصال و إنفصال مع وعن الآخر.
8.      الهوية ليست فيما يثبت بل فيما يتغير – أدونيس.
9.      الهوية لا تتطابق مع أي تجربة محسوسة – ليفي شتراوس.
10.  الهوية معنى لا تحتويه العبارة.
11.  الهوية تتجلى في "الإتجاه نحو" لا في "العودة إلى" – أدونيس.
12.  الهوية في غنى عن "الشذوذ الحيوي للقاعدة وجوديا".
13.  الهوية هي نص قابل للتأويل.
14.  الهوية هي حالة حوار مع الهرمينيوطيقا.
15.  الهوية هي حالة حوار مع الذات.
16.  الهوية منبع الفن المعبر ، وإنفصالها عنه.
17.  الهوية هي جدلية الإنسان مع "ماهو" و "ماسيكون"- أدونيس
18.  الهوية بإنغلاقها أمام الآخر ، تنغلق امام الأنا.
19.  إذا كان التخيل هو مرحلة متوسطة بين الحس و العقل ، فالهوية تخيل.
20.  الهوية أكبر من حدود المجاز وأكثر حرية من البيان.
21.  إذا كانت "الحقيقة هي اسم لكل لفظ أريد به ماوضع له ، ويقابلها المجاز وهو اسم لما أريد به غير ماوضع له ، ثم الصريح وهو ماظهر المراد به بينا زائدا ، وتقابله الكناية وهو مااستتر المراد به" كما قال الطبري ، فالهوية هي حقيقة مجازية صريحة تحمل من الكناية الكثير.
22.  الهوية معنى للتاريخ و تأريخ للمعنى.
23.  الهوية نص له قراءة و ألف تأويل.
24.  الهوية كما في الصوفية وجود ظاهر عارض ، ووجود باطن متأصل ، من دون القطيعة بينهما.
25.  الهوية معنى متغاير ، و المعنى هو مجال الهوية ، و الصورة مجال التغاير ، لذا فالهوية هي مركب المعنى والصورة ووحدتهما.
26.  الهوية هي التلافح بين لحظتين : بداية الخليقة ونهاية الخليقة ، في لحظة واحدة.
27.  إذا كان الكون يتمظهر للإنسانية في اللغة ن فالإنسانية تتمظهر في ديناميكية الهوية للكون.
28.  لاتوجد هوية محضة ، فالهوية قراءات متراكمة للكينونة.
29.  بين "الكينونة" و "الهوية" تتقلص مسافة "الذات".
30.  الهوية هي تجلي لا "حيادية" الإنسان وجوديا.
31.  الهوية كما "الحقيقة" في الصوفية : نسق العلاقة بين المعنى و الفكرة ، الباطن و الظاهر ، الإسم و الرسم.
32.  كما كانت المعتزلة بالنسبة للتيار السلفي /التقليدي حياة ، فالهوية بالنسبة للكينونة إحياء.
33.  إذا كان "لايوجد رمزية قبل الإنسان الذي يتكلم حتى و إن كانت قوة الرمز متجذرة بعمق في تعبيرية الكون" بحسب بول ريكور، فهل تكون الهوية حينئذ هي الرمزية المعبرة عن الإنسان وفردانيته؟
34.  و"إذا كانت اللغة ليست لذاتها و إنما لعالم تفتحه وتكتشفه ، فتأويل اللغة ليس متميزا أو مختلفا عن تأويل العالم" بحسب بول ريكور ، غذن فالهوية لغة ، و اللغة هوية.
35.   الهوية هي تعبير عن المسافة المعرفية و الجغرافية و الفكرية والإنسانية والأيديولوجية التي قطعتها الذات.
36.  الهوية ليست أيديولوجيا ، ومن تكون له الأيديولوجيا هوية هو افقر من أن يملك هوية .

Sunday 12 September 2010

في نقد النوسطالجيا (4) : في الفكر (3): العقل السجالي مشهد وجودي

تغرق الساحة الفكرية و الثقافية العربية في جدلية قاربت حدود "الجدلية الصنمية" و أزليتها ، إن لم تصبح كذلك بعد ، تلك هي جدلية العلاقة بين الحداثة و الأصالة ، و التي إنتهت إلى نتيجتين ظاهريتين تتبديان على سطح –وفقط سطح- المشهد العام :

1.شق المجتمع الثقافي و الفكري و تباعا الجمهوري إلى فريقين إثنين ، تجمعها علاقة وجودية / صراعية لا غير ، وتلك هي الصورة الغير محبذة من ثنائية العلاقة : الأنا و الآخر، وذلك لأنها تختصر الآخر والعلاقة به في صورة صراع بقاء ، وبما تستدعيه كلمة "بقاء" يتضح لنا أن فاعلية أي طرف تتبدى من تضاده مع الآخر ، فلا حداثة –بالأصل اللغوي – إلا بتحديث القديم ، ولا أصالة إلا بإنفصالها عن الحديث او المعاصر ، لذا فالعلاقة الصراعية بين الطرفين هي علاقة وجودية متى غاب طرف فقد الآخر حيزه الوجودي ، كل ذلك أسس للعقل السجالي كمنهج فكري ، وهو من الإستاتيكية أنه لا ينتج ولا بيدع لغياب الملافحة و التلاقي ، ويكتفي بالإجترار البيولوجي للتاريخ و الواقع – بالتوازي- سلاحا للبقاء.
2.إختصار مجمل المشهد الثقافي العربي في حالة الإنشقاق تلك ، و الحكم المختزل بغياب أي فرصة للتلاقي و من ثم الإنتاج ، وإن كان ذلك الإختزال ليس بخاف عن أي طرف كان (الحداثة بحكم أصل العلوم الفلسفية و الحضارة الشرقية ، و الأصالة بحكم منبت أدوات التواصل و الحضارة الإنسانية التقنية و المادية)، ولكن الإنجراف نحو معالجة ذلك الإختصار المجحف  ينسف الأسس الوجودية للفرق المتصارعة بإسم كلا الظاهرتين الإنسانيتين وتياراتهم المختلفة .

من المقولات التي تؤسس لحالة الصراع تلك و التي تؤجج لها والتي ينكرها أصحابها تارة و أحيانا ينادون بها ، كان القول بحتمية الصراع بين الحداثة و الإسلام و إطلاقه صراعا وجوديا ، مما يؤسس للقول بأن العلاقة بينهم لا و لن تقبل اي نوع من المهادنات أو التلاقي و التلافح بغض النظر عن مدى صحة ذلك القول ، كما أنها تلغي وتنكر أي مصداقية لأي محاولة لمد الجسور بإعتبارها تمردا أو إنهزاما.
وفي هذه المواجهة تنحو الدعوة للأصالة إلى توحيد نفسها مع الدين ، وفي المقابل تميل الحداثة لمطابقة ذاتها مع العلم ، وطبعا تنتج لنا تلك الثنائية الإتحادية المتقابلة التالي :

1.تطابق الهوية مع ذاتية الأنا الوجودية الأكثر قداسة وهي الدين (منبع القيمة الروحانية)، وبذلك ينخفض التراث إلى جانبه الديني .
2.تتطابق الحداثة مع الحضارة المادية وتمظهراتها ، فتنخفض الالمدنية إلى طابعها التقني الصلب .
وما يؤدي إليه ذلك من شيطنة الدولة المدنية الحديثة ورفضها جهويا وأيديولوجيا بدعوى إعتبارها بناءا ماديا تقنيا لايؤخذ إلا بالكلية ولا يرفض إلا بالكلية قافزين فوق ديناميكية التخليق بتاعا اإختلاف الخصوصيات الحضارية ، والفكر الشمولي الرفضوي هو نتيجة جدب عقلية التفكيك و إعادة التركيب والتخليق .
ويتبدى لنا ذلك واضحا خلال العديد من حوارات الفكر العربي :
(رسالة التوحيد والإسلام والنصرانية مع العلم و المدنية ) لمحمد عبده ، و (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم) لشكيب أرسلان ، وغيرهم.

إن ذلك الإستقطاب المزدوج: رفض الحداثة –كمنتج غربي- بالجملة لتأكيد الذات ، وبالمقابل رفض الذات لتأكيد الحضارة و القابلية للإنصهار فيها ، جعل من "كل التركيبات النظرية العربية منذ النهضة إلى اليوم من إصلاحية دينية إلى قومية عربية ، لم تكن إلا محاولات للتقريب بينهما وتجاوزهما وإعادة عرضهما بشكل جديد على ضوء المعطيات الخاصة بكل حقبة ، وليس الإختلاف القائم داخل هذه الأيديولوجيات السياسية التوفيقية إلا نتيجة تغليب أحد العناصر على الأخرى" 1*.
وإن كانت الحداثة الغربية كمنتج جهوي يستلزم الرفض الأيديولوجي لإثبات الوجود ، هي نتاج بلورة منظومة فكرية سياسية تقوم على مفاهيم : الحرية ]فولتيير / كانط[ و التسامح ] لوك[ و المساواة ]روسو[ ، فكيف يمكن ان تخفى عملية الأدلجة الزائفة لتلك الأسس  - الحداثية للبعض والإنسانية في الأصل – وربطها الزائف بالنسق الغربي وكانها وليدة تلك الحضارة فقط؟؟ ولا تتأتى في أي صورة أخرى غير تلك ؟ ذلك من ناحية ، وأما من الأخرى فيخطيء من يعتقد بوجود إمكانية لخلق ثقافة إجتماعية – سياسية ذات أساس علمي –مادي محض ، منزوع عنها كل المطالب الروحية و التأملية و الأيديولوجية ، لتنتهي بها تطورا فيزيولوجيا ، أو كما قدمها كانط في نقده للعقل :
هل يوجد معرفة من النوع المستقل عن التجربة أو حتى الإنطباعات الحسية ؟*2

لذا فكما أنه من الخطأ نقد المعرفة الطبيعية و الفيزيائية بمنطق ديني / ثيولوجي / فقهي / لاهوتي ، فمن الخطأ كذلك نقد الفكر الديني من منطق البحث الطبيعي / المادي .


* العقل السجالي :
إن للرفض الجهوي كإثبات وجودي ، ولحالة الصدام المبني عليها و التي تؤسس لها علاقة " الإسلام لا يقبل الحداثة" ، تأثيرا على الثقافة العربية – التي يمثل الإسلام روحها- وكذلك الوعي العربي ، إذ تتبدى الكثير من آثاره الإنفصامية ، على خطابات النوسطالجيا وواقعهم ، وبالتالي تأثيرهم ، جاعلا من الكشف عن أحقية الإدعاء النوسطالجي بأن إنكار الحداثة هو شرط لتأكيد الذات – المختصرة في الدين- يتماهى في الأهمية مع الكشف – المقابل- عن تهافت القول بأن رفض الذات و إنكارها هو شرط قبول الحداثة و توطينها و الإندماج في الركب الحضاري الإنساني.
إلا أن قولا كالسابق ، لايخفى مايؤسس له من صورة القول و القول المقابل، وليس حتى الفعل ورد الفعل ، لمايمثلانه من ظواهر صوتية إستاتيكية كما الكهرباء الساكنة، وهو اساس العقل السجالي ، وهو العقل الذي انفصل عن الواقع ليصبح الحوار فيه بين الفكر و الفكر ، و ليس الالفكر و الواقع ، بكل ما تقتضيه تلك المواجهة من استحواذات طوباوية تصادر على غيرها  وتقفز عن الخصوصيات الحضارية و الظرفية الزمانية و المكانية للواقع المعاش ، و التي تمثل خط الفصل بين الفكرة و الواقع.
إن للعلاقة الرفضوية للنوسطالجيا مع أي قيمة حداثية على اساس جهوي ايديولوجي – وليس موضوعي- ، تجعل من التيارات الفكرية ومايقابلها ، أسيرة حالة الإستقطاب ، المنفصل عن الواقع ، مما يضعف تاثيراتها في المشهد الحياتي أو يؤدي لراديكاليته المفرطة ، لأن الجهد الأساسي حينها لذلك العقل السجالي ، ليس لخلق مساحات اللقاء و التلافح و الحوار والإختلاف ، إنما في مواجهة /الصراع مع التيار المختلف أيا كان ، تقاطعا ما أم لم يتقاطعا *3، وليس في مواجهة الواقع إنطلاقا من نقاط التلاقي والإتفاق بهدف التغيير، لذا تتبدى لهجة الاستنفار الأيديولوجي في الخطاب ، والتي تزداد في حال الأزمات ، ولكن أوليس الصدام و الرفض المطلق هو أزمة؟؟ أزمة إحتواء وحوار؟؟ وبالذات عندما تفرضها موازيين القوى؟ أوليست الحداثة – في كل تجلياتها- تهاجم أول ما تهاجم "الأصل التوحيدي" أو هكذا قيل؟
"لكن ما الغريب في الأمر ؟ أليس هذا هو حال الثقافة الشعبية في أي مكان عندما ترسم صورة عن الآخر في فترات الحروب ]صراع بقاء[ مثلا؟ مالغريب في التعميم السريع ، أو إسقاط المخاوف الدفينة و النقائض التي يخشاها المجموع على صورة الآخر ؟ ]كالدياثة و العمالة و انعدام الخلق و الجهل و الأدلجة المقابلة و المادية وغيرها من التوصيفات[ لا جديد . نعرف هذه الظاهرة العميقة الجذور في ثقافات كافة الشعوب ونراها تزداد قوة في مراحل الأزمات "*4  كما " تقيم هذه العقلية إدعاءاتها على اعتبار أن الجهل والغرائز والمعلومات الخاطئة والرغبة في التعميم السريع ، و الخوف من المجهول ، معطيات ثقافية جماهيرية قائمة وصلبة ، يتم التعامل معها ببساطة وتقبل من دون نقد ، خصوصا عند تشكيل صورة الآخر أو صورة المختلف عنا أو الغريب ]فما بالك ذاك المتصادم الوجودي مع الدين و أصله التوحيدي؟[ أما إذا كان الآخر هو في الوقت ذاته هو العدو فعندها عمم ولاحرج وحدث ولا حرج"*5 .
لذا سرعان ماينصب خطابيوا النوسطالجيا حينها أنفسهم متحدثين رسميين عن المجموع أو الأغلبية الصامتة مقدمين انفسهم بإسم (نحن) لا للتعظيم بقدر ما هو حضورا لقوة المجموع أو الأغلبية وبسطوة الأسئلة الإستنكارية.
 ومن مشاهد ذلك الاستنفار الأيديولوجي بإسم ال(نحن)  :

1.تشريع "العنف" دفاعا عن الأيديولوجيا/الثيولوجيا وليس الفكر :
 بداية من التكفير بكل صوره للتنميط و الأحكام المسبقة حتى التهكم و الإستهزاء و الشخصنة  و الاتهام بالجهالة و التفتيش في القلوب أو حتى التصنيف الرأسي للبشر، كل ذلك ابتعادا عن الواقع و انفصالا عنه و اتحادا بشخوص ليس لهم من الديمومة ما للأفكار.

2. إزدواجية التعامي و التصيد : إحدى صور الإنفصام :
التعامي عن جرائم ال(نحن) في حق ال(أنتم) أيا كان ، و التصيد لأخطاء ال(أنتم) وتجريمها وتغليظها ، وليست مشاهد إدعاء النوسطالجيا في بلادنا القهر و الظلم الطائفي إلا مشاهد كوميدية سوداء ، تصل حد التقمص السينيمائي المزمن ، منتهية بالواقع لحالة من التشكك الدائم ما بين الصواب و الخطأ من ناحية ، ومابين الإبتزاز العاطفي (داخليا وخارجيا)، و الذي أنتج في النهاية ردا لفعل ، للأسف إن لم يصبح مساويا بعد في المقدار، فإنه على الأقل من نفس الجنس ، لتسقط في النهاية حينها أغلب الحدود الفاصلة – أو تتماهى مع السقوط- بين الفاعل و المفعول به ، لتنتهي بالجميع شياطين بلا ملائكة.

3. منهجة الرفض الجهوي و التأسيس العلمي له :
ويتم ذلك بالإعتماد على الإجترار للتاريخ لأغراض فيزيولوجية بحتة لضمان البقاء الجمعي  في صورته الحيوية ، لا أكثر لا أقل منعا للتذرر و الفردانية ، وحفاظا على الرابط الأيدديولوجي الغير منتج في الكثير من الأحين ، بإسباغ شرعية علمية عليه ، بتوظيف عبارات من الميوعة الفكرية بظرفية الزمان و المكان الآنيين للواقع وبراغماتيته ،تأسس جميعها لحالات إنفصال الواقع عن المطلوب –وهو المفصول اصلا - ،  لدرجة أبعد من أن يتم تداركها ، بتحويل الأيديولوجيا إلى ثيولوجيا وقتل أي لقاء ، وذلك لأن "نقض الأساس المنهجي و الفكري و الفلسفي –لانقده- مقدمة اساسية في مراجعة معظم الدراسات حول الإسلام" *6.

4.الأدلجة الجزئية انتقائيا *7:
للكثير من المنتجات الثقافية والتي يتم في الأغلب الأعم إقتطاعها عن سياقها الكلي لتعليبها ترسا أيديولوجيا ، ويتم تتريسها كميا لا نوعيا ضمن ديباجة خطابية ذرائعية .

إن أحد أهم المنهجيات التي تقوم عليها عقلية النوسطالجيا – ورد فعلها- ، هي "الخلط المنهجي" ، أي أنه يخلط بين الأيديولوجيا و الثقافة ، أويخفض الثقافة إلى جملة الأفكار و الأعراف ، ولايميز بينها كنسق إجتماعي ، وبين المذاهب و الأيديولوجيات و الأفكار المتناقضة التي تعيش فيها وتتغذى منها ، ومنهم من يرفع الأيديولوجيا ، أو إحدى الأيديولوجيات إلى رتبة الثقافة ، فيستنتج من تناقضها تناقض ثقافة العرب وتهافتها" *8.
ومن هنا كان رفضنا لصيغة "العقل الإسلامي"*9 عقلا تاريخيا ، وطرح بديل له : "العقل السائد إسلاميا" ، و الإعتراف – كذلك – ب"الفن الإسلامي" فنا "إسلاميا" ولكنه ليس فنا "دينيا" *10 ،  حيث ان الإرتقاء ب"العقل الأيديولوجي" فيتحول  "ثيولوجيا"، يحول "العقل" حينها "نقلا"  ، وأسوأ  مايصيب التفكير الفلسفي هو إرجاع "المفهوم" إلى صورة ثابتة وراسخة  وتكاد تكون راسخة أيديولوجيا –بكل ماتحمله الأيديولوجيا من الامصداقية فكرية ونسبية النسبية - ، يجترها القياس التاريخي الإنتقائي ، فينحط حينها "العقل" إلى مفهوم "الدماغ" بالمنطق الفيزيولوجي الحيوي البحت و الذي لا يمكنه القياس خارج الجسد البشري مصدر الحياة.

العلاقة مع الواقع :
يتصل العقل السجالي مع الواقع من خلال نقطتين إثنتين :
1.الرفض الجهوي الشمولي ، الذي يرى في الواقع كتلة واحدة صلبة ومغلقة ، لا يمكن التعامل معها إلا بالرفض – المسوغ منهجيا مسبقا – بكل الفاظه : النقض – التكفير – المادية – المزايدة – العمالة وغيرها  ومن ثم إستدعى التبديل ، إن وجد "البديل" وعادة لا يوجد لغياب القدرة على التفكيك و إعادة التركيب، البديل القادر ليس فقط على الحوار مع الآخر بل على التفاعل مع واقع (الآن – هنا).
2.القياس الإختزالي للواقع ، و الذي غالبا ما يكون إجترارا ماضويا ، لا يعدو إلا أن يكون قياسا مبتورا للماضي – التقليد- ومماهاته المشلولة بالواقع، جاعلا العقل السجالي دائرا في فلكه الخاص و تاريخه الخاص ، مشتطا في الأحكام و الإستنتاجات بلا رقيب موضوعي واقعي.

واسباب إنفصال الفكر عن الواقع حينها :
1.يمكن لقضية ما أن تكون منطقية وصائبة كمتن عضوي واحد تتناسب مقدماتها مع نتائجها ، إلا أن ذلك لا يعني تطابقها مع واقع (الآن – هنا) ، لذا ومن الإدعاء الصحيح بصحة القضية ، يدعي البعض شرعية توجهه وملائمته ، لا لأمانة الطرح الموضوعي الواقعي ، بقدر إسباغ الشرعية على الفكر الأيديولوجي، فيتحول حينها الفكر إلى الأصل ، والواقع إلى الفرع ، الفرع الذي يتوجب عليه التكيف مع مقولات الفكر و التطابق معها ، وعلى الساحة الفكرية تتبدى لدى الكثير من شواهد هذا الفكر المنفصل عن الواقع :

- شعار (الإسلام هو الحل)*11 : وهو على وزن اقدم أحد أقدم الحيل الأيديولوجية وهي (رفع المصاحف على أسنة الرماح) ، طارحة حلا ثيولوجيا لا يمكن لأحد مسائلته ، من دون أن يفتح بابا للمزايدات و الشخصنة والعنف المقدس. وذلك الشعار يأخذ شرعيته من إحدى نقطتين الثيولوجيا و/أو التاريخ ، التاريخ الذي لم يكن ليصبح تاريخا مالم ينفصل عن واقع (الآن – هنا) .
إلا أن ذلك البديل لا يختلف إلا في الإتجاه عن البديل المقابل له وهو طرح : التنازل عن جميع الخصوصيات الحضارية و التاريخية للإلتحاق بركب الحضارة والحداثة.
2.تأثير الثقافة الغربية الحاضر بمنتهى السطوة و القوة و الوضوح في العالم الثالث ، يخلق في ذهن الناس صورا عن الحياة و الذات و المعنى مختلفة تمام الإختلاف عن الواقع المعاش ، وبالنظر للصورة المتواترة عن الحياة متحضرة والشروط الواقعية للوصول إلى ذلك ، يتضح لنا حينها مدى عمق حالة التناقض بينهما ، لتصبح حينها النظرة للمجتمع على إنه متخلف ومتأخر بكل تاريخه و قيمه وثقافته التي يتغنون بها وإغتنى بها تاريخه ، وهي العناصر التي وبعد كل هذا الإجترار الأيديولوجي لم تستطع ان توفر احترام الإنسان وحقه في الإختلاف و التميز بالإختيار.
لذا فالمثالية المفرطة ، وكل تجلياتها الأيديولوجية / الثيولوجية ، و إستحواذاتها و إنعكاساتها ، لا تتعارض مع الواقعية من ناحية ولا تجريبية من الناحية الأخرى أو حتى الذرائعية ، بل تستدعيهما ، لأنه إذا بقيت النظريات و الأفكار حبيسة العنتريات الخطابية ، والفكر المنفصل عن الواقع ، بعيدة عن الواقعية ومن ثم البرغماتية ، جاعلة المسافة بين الآن –هنا و المجتمع الأفضل للأنا و الآخر ، أكبر من أيديولوجيا الخطاب.
في النهاية :
الرؤية التفكيكية الواقعية ، هي التي تنقض العقل السجالي ، وهو مختلف تمام الإختلاف عن التعميم الأيديولوجي القائم على إيجاد وحدة وهمية منطلقة من سحب مفهوم الجزء على الكل بدعوى (بناء المفاهيم) ، ومصدر ذلك التعميم هو النظرة السلبية/النرجسية لجانب أحادي من التاريخ.
لذا فالرفض الجهوي و "إلقاء المسئولية على الإمبريالية أو الغرب بصفة عامة ، وبشكل مجرد ]تعليبي[ دون إظهار ترابط هذا الغرب ]ومنتجاته[ مع قوى و افكار و أنماط وسولك وعمل وممارسة محلية لا يقصد إلا إلى تعميم نزعة سديمية قومية مهمتها الأساسية التغطية على المسئوليات الفكرية و السياسية التي تكمن في قصور المناهج و الوسائل التي اتبعت لمحاربة الغرب و التخلص من سيطرته"*12.

فالتهرب من المسئولية الحضارية والتاريخية له العديد من الصيغ كتعليب الإتهامات والأحكام المبدئية و الرفض الجهوي ، و التي تعفي – أو هكذا يراد لها- من واجب التأمل و التفكر و التمحيص و التفكيك و التركيب ، لينحصر حينها التاريخ - تاريخنا إما عورة كاملة - عورتنا، أو حسنة بهية – حسنتنا ، أو العكس.

by Michel Zavrof

_________________________________________________________________________________________________
الهامش:
1.      إغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – المغرب – ص22
2.      Critique of Pure Reason, Emmanuel  kant, Penguins Classics , p 214
3.      وهذا من أسباب غياب تقنيات ال
Thinking tanks
في الأقطار العربية اللهم إلا تجربة مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت
4.      طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – رياض الريس – بيروت – ص 109
5.      طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – رياض الريس – بيروت – ص108
6.      بناء المفاهيم – مجموعة من الباحثين – دار السلام- القاهرة ص61
7.      تمت الإشارة مسبقا لهذه النقطة بالتفصيل في جزء سابق من السلسلة.
8.      إغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – المغرب – ص48
9.      سيرد تفصيل هذه النقطة في جزء لاحق من السلسلة.
10.  مجلة "وجهات نظر" الشهرية – محمد المهدي - عدد 139 – ص34
11.  الإشارة هاهنا بالعموم و ليست لفريق بعينه ممن يتبنون ذلك الشعار الأيديولوجي وقصره على نموذجهم.
12.  إغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – ص57.

المفاوضات المباشرة بين المحاكاة التاريخية و التوحد مع الهزيمة

لا يمكن قراءة حدث مثل "المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية" أولا ، و "المباشرة" ثانيا ، من دون أن تعود الذاكرة السياسية لمشاهد تكررت – ومن الواضح انها ستظل مكررة – في الحياة السياسية العربية بين "المستعمر و المستعمر" أولا، و "الإسرائيلين و الفلسطينين" ثانيا ، ناهيك عن "مباشرية" العلاقة.

- بين المستعمر و المستعمر (التاريخ يعيد نفسه) :
ولنستحضر "تجربة فيصل في دمشق (النموذجية) :
فيصل المنتصر مع الحلفاء، و المؤيد برسائل حسين مكماهون ، المطعون بسايكس – بيكو ووعد بلفور، يفاوض الغرب (فرنسا و بريطانيا) محاولا التحلل من قوة الجيش العربي الفتي ، وعناء ضباطه الوطنيين ، وقيادات أحزابه ، وقرارت المؤتمر السوري المتشددة ، متكئا على دعم موهوم من بريطانيا ، ووعود كاذبة ثبت زيفها ، فإذا به يصبح الأمير الطريد ، الممنوع من السفر و المتوسل لقاء مذلا مع فرنسا ، ويعامل فيه كخاسر بلا تعويض.
يعود فيصل بفتات غير مقبول ، ترفضه القوى السياسية . يفاوض مرة أخرى فتشترط عليه فرنسا تصفية "المخربين (المقاومة) ن فيتصرف بسرعة ، وينفذ التصفية أخوه الأمير علي . ثم تشتد شروط الفرنسيين ، فينذرونه بضرورة تسريح الجيش ، فيفعل ...وتكون النهاية المأساوية و الزلزال الذي اسقط أول دولة عربية مستقلة حر ذات سيادة إلى الأبد" *1
يمكننا رؤية التاريخ يعيد نفسه في كل علاقة بين المستعمر و المستعمر ، وفي الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية هي : قوات الإحتلال و الشعب المحتل ، كما يمكن مماهاة درجة "المحاكاة" من قبل الحكومات الإسرائيلية (بمباركة أمريكية) مع الدور الفرنسي ، ودرجة "التوحد" المرضي  ، للطرف العربي مع الهزيمة التاريخية و الحضارية وتراتبية خطواتها.

- بين الإسرائيلين و الفلسطينيين (حيث تعطيل الذاكرة التاريخية و السياسية):
يبدو أن إستمرار منهج (نص العمى) ، البالغ اللابراغماتية ، الذي أسس له الراحل ياسر عرفات في أوسلو ، و الذي عبر عنه قبل ذلك للمفكر العربي إدوارد سعيد في لقاء جمعهما عام 1985 حينما قبض بشده على ركبته قائلا : "إدوارد ، إذا كان هناك شيء وحيد لا أود أن أكونه ، فهو أن أكون مثل الحاج أمين –الحسيني- ، كان على صواب ولكنه توفي منفيا ولم يحقق أي شيء" *2.
 لايمكن أن يخفي حالة اللاتعريف و الامرجعية و اللاشيئية التي اسست لها مرحلة أوسلو ، و التي إستمرت في طابا وواي ريفر وكامب ديفيد وغيرها ، مما أنتج لنا إستراتيجية : (المفاوضات من أجل المفاوضات) و التي إنبثق منها جيل جديد بعنوان : (المفاوضات المباشرة لأجل المفاوضات المباشرة) . والتي لا يمكن الفصل بين مشاهدها ومشاهد العلاقة الكولونيالية السابقة والتي تجسدها عديد الأمثلة ليست حالة (فيصل) إلا إحداها ، إلا أن إيرادها في هذا المتن جاء من باب التوضيح للخاتمة التي ستتطابق في أجزاء وستتمرد في أجزاء أخر حيث :

.أولا :الإستناد على حالة من السراب الذي واكب تغير الإدارة البيضاوية وتمظهراتها الخطابية  البعيدة تماما عن الواقع و الميدان ، و التي لم تكن سوى حالة نشوة باللون الجديد للبيت الأبيض ، و التي سرعان ما تكسرت على صخرة الواقع سواءا فيما يتعلق بمسألة الإستيطان و التجميد الذي كان كنسيم البر و البحر ليس إلا أو حتى خطاب أوباما في (الأيباك) و الذي أشار فيه غلى مجموعة من اللاءات منها : لا لوقف الإستيطان ، لا لتقسيم القدس (العاصمة الموحدة للدولة العبرية) ، ولا لإمتلاك إيران سلاحا نوويا ، ولا للمقاومة.*3
ذلك السراب الذي لا يمكنه أن يعمي العقل العربي – أو على الأقل المفروض ألا يفعل – عن العلاقة العضوية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية و الدولة العبرية.

. ثانيا :تبعات أوسلو و التي أسست منهجيا لعمليات "التنسيق الأمني" بين الفلسطيني و الإسرائيلي ، لتجعل السلطة الفلسطينية في نهاية الأمر " مقاولا من الباطن" *4 ، لصالح المحتل الإسرائيلي ، ليقبض له على "المقاومين" أو بحسب الأبجديات الإستيطانية : "المخربين" *5 .
.
ثالثا: حالة الفرقة و الإنشقاق التي يعاني منها المفاوض الفلسطيني ، بين سلطة محاصرة بأيد عربية وفلسطينية و إسرائيلية ، وسلطة فاقدة الشرعية و الدستورية ، متهافتة على التفاوض المباشر ، قافزة فوق العديد من الحقائق و القوى و الإنتصارات الإقليمية  ، ومتعامية عن أن "خطيئة التفاوض بلا انياب عقابها إنتزاع الأظافر و القلب و الحركة"*6.

.رابعا :التفاوض يتم على أقل من 22% من كامل التراب الفلسطيني ، وعلى دولة منزوعة السلاح و الحدود و السيادة أي أقرب ما تكون لكنتونات إدارية.


إلا أنه من ضمن عديد النقاط التي يتقاطع فيها المحورين السابقين ، وعلى إمتداد تاريخنا العربي ، إلا أن المفاوض الإسرائيلي ، يطرح سابقة لم تمر في التاريخ الإستعماري و الإستيطاني من قبل ، وتلك هي مسألة "يهودية الدولة"، حيث أنه و بالنظر لتشريح المجتمع الإسرائيلي وطبقاته ، التي أوجدتها عمليات التطهير العرقي *7 ، ومن ثم عمليات الهجرة (الترسيب) المتوالية ، تلك الطبقات التي يمكن تشبيه تراتبيتها كطبقات الأرض الجيولوجية ، حيث القاعدة الأولى – بحسب التسلسل- مكونة من السكان العرب – الفلسطينيين الباقين في البلاد بعد حرب 1948 ، وأما اللذين رحلوا منهم فقد إمتلأ الفراغ الذي خلفوه ورائهم بموجات من المهاجرين اليهود ، وتلك الطبقة تقسم بدورها إلى طبقتان روسية سميكة وإثيوبية دقيقة ، ويتخللهما عديد الإثنيات و الأعراق بنسب اقل .
ولأن "الهوية لايمكن أن تتصلب وتنغلق نحو الخارج وأن تكون في الوقت ذاته منفتحة وديموقراطية نحو الداخل "*8 ، فقد شهد المجتمع الإسرائيلي ولا يزال موجات من التغيرات ، حيث "غيرت كل موجة هجرة جديدة مجمل السياق بصورة جوهرية ، وتسببت كل موجة بهزة أرضية إجتماعية ، وبسلسلة من الهزات الأرضية الثانوية ، التي لا تكف عن التأثير في المجتمع الإسرائيلي بقوة متفاوتة ، مانحة أعضاء المجموع  إحساسا إنتقائيا بالتواجد فوق فوهة بركان يهدد بالإنفجار كل لحظة ، قاذفا حممه البركانية التي ستأتي على كل ما هو في الجوار" *9.
وتلك المظاهر التي تسجلها كل هزة أرضية ، آخذة في النمو و التأثير في فيسفساء إجتماعية-داخلية - عنصرية من جهة ، وأخرى سياسية – خارجية -  إقليمية تقوم على الإحتلال، و الهدم ، و التهديد ، و الإجتياح وغيره ، مما أدى في النهاية إلى :

.أولا: توقف موجات الهجرة للداخل – الإسرائيلي ، وبحسب بعض مراكز الدراسات و الإحصائيات فقد بدأت عمليات الهجرة العكسية للخارج*10.
. 
ثانيا: بزوغ مشاهد "الإحراج" للكيان الإسرائيلي دوليا ، و الذي تعددت تمظهراته مثل تلك التي تلت مذبحة اسطول الحرية ، وتقرير جولدستون وجريمة "المبحوح" وغيرها ، إلا أن من أهمهم "تفشي مظاهر النقد للسياسات الإسرائيلية" في أوساط النخبة الجامعية من الشباب اليهودي في الجامعات الأمريكية ، و الذين "على حد قول كل من ستيفن كوهين من كلية الإتحاد العبري ، وآري كولمان من جامعة كاليفورنيا أن "الشباب اليهود غير الأرثوذكس ، بصفة عامة يشعرون بقلة الروابط التي تجمعهم بإسرائيل أكثر ممن هم أكبر سنا ، فيما يصرح الكثير منهم "بعدم وجود مشاعر إيجابية تقريبا اتجاه إسرائيل "، كما استخدم هؤلاء الشباب ضمير "هم" بدلا من  "نحن" لوصف الموقف مرارا وتكرارا" *11 .
لذا فالموافقة على بند "يهودية الدولة" ، و الذي يعتبر "حصان طروادة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية اليمينية ، حيث أنه و بالرغم من أن الدولة العبرية بمفهوم البناء الثقافي قد طورت مختلف الآليات لخلق "الشرعية" ، بما فيها الإنكار الإنتقائي و الممنهج لأحداث حرب 1948م *12 ، إلا أن مسألة "حق الوجود كدولة يهودية"  للدولة العبرية و التي تعد بمثابة تحد اتجاه الداخل و الخارج ، ستجد لها حلا بمباركة من "الضحية" متى تمت الموافقة الفلسطينية على ذلك الشرط ، إن تمت.*13

________________________________________________________
الهوامش:   
  1. حوار الحفاة و العقارب : دفاعا عن المقاومة – نصري الصايغ – دار رياض الريس – بيروت- ص65-66.
  2. The Great War For Civilization – Robert Fisk – Harper Perennial – London – p437
  3. ولفظة "المقاومة" هاهنا لم تكن عن المقاومة الفلسطينية فقط ، بل أي مقاومة تهدد الكيان الإسرائيلي الربيب لأمريكا.
  4. التعبير ينسب لسليمان أبو ستة عراب القضية الفلسطينية.
  5. ومن هنا كانت العديد من الأنشطة التي شهدتها الضفة الغربية و القطاع من القبض على المقاويمن للكيان الإسرائيلي ، ومنها ما حدث مؤخرا من القبض على أربعمائة فرد من حركة حماس ، و الإعتداء الذي كان على مؤتمر عقدته الفصائل الفلسطينية الرافضة للإنخراط في المفاوضات المباشرة.
  6. حوار الحفاة و العقارب : دفاعا عن المقاومة – نصري الصايغ – دار رياض الريس – بيروت – ص66.
  7. The ethnic Cleansing Of Palestine – Ilan Pappe – One World – London – P90.
  8. طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – دار رياض الريس – بيروت – ص178.
  9. من مقال : الثابت و المتحول في المجتمع و الثقافة الإسرائيلية – باروخ كمرلنغ – مجلة قضايا إسرائيلية – عدد 2001 – ص4.
10.  إسرائيل الأخرى – جوني منصور – مركز الجزيرة للدراسات – قطر – ص 25.
11.  من مقال : فشل المؤسسة – بقلم بيتر بينارت – مجلة وجهات نظر – العدد 139 – ص6.
12.  Politicide – Baroch Kimmerling – Verso – London – P86
المقال تناول مسألة "يهودية الدولة" من وجهة نظر إسرائيلية ، منفصلة عن الواقع ووجهة النظر العربية و الفلسطينية وتبعاتهما ، و التي سيتم تفصيلها في مقال لاحق. (الكاتب).

رابط المقال على صفحات الهيئة الوطنية للدفاع عن حقوق شعب فلسطين الثابتة:
http://www.palthawabet.org/ar/newsDetails.php?newsId=405&classId=16&page=1&Next=1

البريغادير و المفاوضات المباشرة


لم يكن خبر تعيين "بطل حرب غزة" – كما يسميه الإعلام الإسرائيلي - البرغادير بوآف غالنت رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي خلفا لأشكنازي ،بعد أسبوع من إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون عودة المفاوض الإسرائيلي و الفلسطيني لطاولة المفاوضات المباشرة مطلع الشهر المقبل ، مجرد خبرعار عن السياق الزمني و الميداني.

فهل يمكننا استقراء ذلك الرابط بين الحدثين (التعيين والإعلان عن العودة للمفاوضات) وكأنهما منعزلين إذا علمنا أن قرار بالتعيين لرئيس الأركان العشرون جاء قبل موعده المقرر رسميا بعدة أشهر؟ و أن أشكنازي قد سبق له رفض تعيين غالنت سكرتيرا له ؟ و أن ذلك الأخير ليس بريئا مما سمي ب"وثيقة" غالنت التي صدرت منذ فترة و التي تنال من سمعة بقية المرشحين للمنصب في صورة من صور الضرب تحت الحزام؟
إن اعتماد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ومباركة رئيس وزرائه نتنياهو على القوة العسكرية التي يمثلها البرغادير يوآف غالنت ، و الذي كان سكرتيرا عسكريا لأحد أكبر رجالات الحرب الإسرائيلية وهو أرييل شارون ، و هو المنصب الذي بقي فيه غالنت لمدة ثلاثة سنوات عين بعدها قائدا للمنطقة الجنوبية –بما فيهاالقطاع- وهو المنصب الذي لايزال يباشره حتى الآن ، جدير بالذكر أن غالنت هو أحدمهندسي حرب غزة وهو أحد أهم الداعين لمنهجية "القبضة الحديدية" في التعامل مع حماس و المقاومة ، ناهيك طبعا عن ارتباط اسم جالنت بغزة وجنين.

إن الاعتماد الإسرائيلي على ذلك "البطل" ، لا يمكن أن يتم تحليله و استقراؤه بمعزل عن الشروط الإسرائيلية التي حددها نتنياهو للعودةللمفاوضات المباشرة و التي أسماها باللبنات الأمنية التي تستلزم "طرفا فلسطينيا شجاعا" لتحقيق السلام :

*.السيطرة الكاملة على حدود ما أسماها بالدولة الفلسطينية منزوعةالسلاح و السيادة و بالذات الحدود الشرقية لمدة لا تقل عن ال15 عاما ، وذلك منعا –للمستحيل- وهو تواطؤ أردني – فلسطيني، هذا من دون الإشارة إلى الأطماع الإسرائيليةفي منطقة غور الأردن ، ومايمثله ذلك الشرط من حالة توتر لا تقل عن تلك التي سببتهاتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي السابقة عن فكرة الوطن البديل و ما تكرر أيضا فيالحالة اللبنانية بعد إقرار قانون الضمان الإجتماعي لللاجئين الفلسطينين في لبنانوما سببه ذلك من ردود أفعال و إن إختلفت درجاتها في البلدين.
*. فإذا كان نتنياهو كما يرى المعلق السياسي ألوف بن من صحيفة هآرتس الإسرائيلية هو بخلاف قادة الليكود السابقين و الذين كان همهم الأول هو النشاط الإستيطاني وفعاليته ، فنتنياهو يأخذ الحيز الأمني لديه الأولوية الأكبر ، إلا أن ألوف قد خفي عليه أن الشرط الذي قدمه نتنياهو على أنه أهم الشروط و المؤسس لها وللمفاوضات ككل وهو"الإعتراف بيهودية الدولة" ، يخلق للمفاوض الإسرائيي نوعا من الأمان الديموغرافي على محورين :

- الأول عرب ال48 وهم اللذين ستسقط عنهم الجنسية الإسرائيلية و تسقط عنهم جميع حقوقهم المدنية بدعوى مخالفتهم القانونية للمبدأ المؤسس للمواطنة في تلك الدولة ، و هم الذين وصفهم البعض بالطابورالخامس ووجودهم هو كما القنبلة الموقوته في جسد الدولة الإسرائيلية.

- الثاني : اللاجئين و هم أيضا سيسقط عنهم حقهم في العودة لدولة اعترفت قيادتهم بيهوديتها ، حيث عقب نتنياهو على تلك النقطة قائلا :"حل قضيةعودة اللاجئين يجب أن يتم على تخوم الدولة الفلسطينية .

وهو ماسيخلق سببا وجوديا لاتنقصه الشرعية لإكمال عمليات التهويد والإستيطان ، وهو ماعجزت الكاريزما الأمريكية الملونةعن إيقافه ، وكذلك التهديدات التي أصدرها السيد ابو مازن و التي لم تكن إلا مجموعة من الظواهر الصوتية ذات الترددات القصيرة ، وكلاهما يعلمان أن الأنشطة الإستيطانية وإن لم تشهد مناقصات أوعطاءات ميدانية جديدة إلا أنها لم تتوقف ، بما في ذلك هدم البيوت و تشريد اهلها ونفيهم خارج الخط الأخضر ، وهو نوع من فرض الحقائق على الأرض ، و التي لم تنقصهاالصراحة الإعلامية الإسرائيلية الرسمية التي صرحت أن فكرة التمديد لتجميد الإستيطان (؟؟؟)و المحدد لنهايتها السادس و العشرين من ايلول 2010  "غير مطروحة".

إن موافقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية و المباركةالعربية على الدخول لتلك المفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني على "لبناتهاالأمنية" المطروحة اسرائيليا و المقبولة أمريكيا و رباعيا ، وإن كان قد قوبل برسائل"خطية" وصلت لأطراف الرباعية من السيد أبو مازن يؤكد إلتزام الطرف الفلسطيني بمرجعية مدريد وخارطة الطريق و التي منها عودة اللاجئين ، و العودةلحدود ال67 ، و المعابر ، و المياه ، و القدس ، والإفراج عن المعتقلين الفلسطينين تحت سقف زمني قدره 12 شهرا على الأكثر، ألا يعد في أكثر الأدبيات السياسية رزانة ورصانة نوعا من تضييع الوقت و الأمل (كأقل الخسائر) ، وهل وصلت قيادة منظمة التحريرالفلسطينية من العمى والجدب أن لا ترى حضور العسكر ، و جملة قوانين إسرائيلية ليس أقلها"قانون شاليط" الذي يغتال جميع حقوق المعتقلين الفلسطينين الآدمية والإنسانية التي أقرتها لهم جميع الأعراف و القوانين الدولية و منها إتفاقية جنيف وكذلك  قانون "أملاك الغائبين" الذي يهب فعليا البيوت المقدسية لإسرائيلين ، ألا يحمل الدخول في المفاوضات المباشرة على تلك الأسس و المرجعيات الإسرائيلية شرعنة الإحتلال وسيطرته على الحدود بما في ذلك خنق القطاع الغزي في أكبر جريمة إنسانية يشهدها التاريخ الإنساني المعاصر ، وكذلك سلب اللاجئين حقهم في العودة وهو مالايسقط لا بالتقادم و لا بالمفاوضات ولابالإستفتاءات النيابية لأي مجالس تنفيذية كانت ، وأي جزء من الرقم 70,000 هو عدد من نفتهم اسرائيل لقطاع غزة يصعب تفسيره؟
إلى أين تقودنا تلك المفاوضات و ألا تتبدى مظاهرها الأولية واضحة؟؟