Monday 16 January 2012

ميلودراما ثورية


تدورُ دوائرُ الضوءِ، في فضاءِ المسرحِ المظلم، و الضوءُ محضْ نهبٍ..
الدوائر فقه اللامُعْيَّن..
 مهربٌ لامبدأَّ له في عرفِّ الشكلْ..
تتكشف أجسادٌ/متونٌ عارية، بعضها بلحىً تكادُ تغطي سواءاتِهم من السرةِّ/المولدْ إلى الركبةِّ/المركعْ..
 أو أقصر قليلاً أو أطول قليلاً بمقاييس المعجزة..
والعورةُ بينهما محض اجتهادْ..
نساءٌ مضافاتٌ إليه، عاريات إلا عن الإضافة..
"هو" الغائبُ، ولحضوره زُرقةٌ باهرةُ العتمةِ..
على جانبيِّ المسرحِ مشاعلُ لهبٍ، لنقوشِها تمائمُّ من نسقَّ اللون الأوحد..
وُزعت على وجوه الراقصين،
والثمالة ملامحٌ وتعريفْ..
أغلبهم لا أعينَّ لهم، ومن كانت له فهي مغمضة..
وجوهُهم معرِضُّ إلتباس بين ألمٍ ونشوةٍ وفقدٍ..
تهتزُ أرضيةُ المسرحِ الخشبيةِ تحتَ أقدامْ الجمع الثمل، فتتناثر قطرات سائل أحمر له قوام الحياة من حرفين، على حواف المعنى..
فترتطم بوجوهِّ ملائكةٍ ضلت طريقها بين سقف سماوي، وقاع وثني..
لتختلس الملائكة بينها حديثاً جانبياً عارضاً خارج النصوص المقدسة، وبخل الأنبياء:
أي فواتٍ للأوان يعني الغيبَ ليحضرْ؟

في سقفِ القاعةِ السماويِّ، غيبٌ أسودٌ، يختلسُ النظر و الذنب
 والسوادُّ هاهنا، ملقّن المنشدينَّ سخاءَ الطبائعِ الصامتة...
وإلا ما استّوى غيباً.
يتبادلُ الراقصونَ تمتماتٍ معدنية،
ألقاها إليهم كُّوندورُ الموتِّ المحلق  في الأسماء:
     بإسم الحلباتْ الكٌبرى..
     بإسم الدروعْ المترفةِ في نعمتها ونقمتها..
     بإسم الفلزْ و الزئبقْ..
     ستتبعوننا للأبراجِ اللامعةِ على الأكتاف..
     نحو العويلِ المفدى..
     نحو الأقنعةِ بين جبينكم و الأعياد..
     لـ " يدُلَّ كلُ موتٍ عَلى قاطِنيه "..
     فرحين...
     مقتولين...
     طربين...

تكتملُ دوائرُ الإشكالِ العاريْ وضوحاً
والحضورُ محضْ عماء..

بين الحضورِ و المَسرحْ، يَّجْبُ الدم مسافات التأويل..
ولكن يغيبُ الترجمان.

شواهدُ قبورٍ سرديتُهم..
تبويب النهائي رخاماً..
كي لايَروا أنقاضَهم..
يحتضنُونها..أنقاضهم..
ولاتنفضُ الدهشةُ عنهم..
العدمَ الساحرْ و ألقَّ الموتِ الرخامي..

يظهرُ نسرُ زيوس كبير الآلهة
من خلفِ الستار الأسودْ،
عارياً منْ الجبلِ
ومن أوامرِ الآلهة..
وعلى طرفِ منقارهِ بقاياً منْ كبدِ برومِيثيوس
ليتبع إيقاعَ الدم
المسجى في مديحِ العسكر
ونشيدِ المْوتى

تبددونَّ بعضكم ببعضٍ
فيجفُ منيُّ قصائدِّكُم والدمْ
فتغدونَ ظلاً معلقاً
في مديحِ الفلزْ
وأملُ الأنبياءِ المهدرْ في اكتمالْ الرسالة
وسقوط الغيب






Friday 6 January 2012

بين فقدين...(لأنوثة منتهكة القيمة، وذكورة منتصبة المهانة)

أيا نجمة مهجورة بين غمازتينا..
أيا فقداً بين الهراوة و الرصاصة..
ياملمس الحلم...
ومجاز الحرية فينا...
هانحن هاهنا نقف على عتبات مؤقتنا،
وديمومتك
ننظر في كتاب الماء
علّنا نجد نصاً..
أو رباً..
أو رؤىً..
تشرح لنا "أنا"نا،
تركع بنا أمام نهديك والهراوة

خوفنا المتناثر بين سوءات نحملها كالريش
محاريث موت
نبدلها موتاً بموت
ووصايا أنبياء
فرحين،
نحمل نصوصنا على أكتافنا ، زاد نقصٍ
طريقا لسماء لاترى مصائرنا إلا بين فرجين/ضميرين
كل بصيرة للماء كانت إلا الحياة، و (الحياة مجاز الماء)
والإنسان محض ماء
فكان إيقاع الموت، إيقاعنا

***********************************
 
أومضت للظلام فكانت برقاً
يزف إلينا إلتباساتنا العذرية،
وقالت:
مروا بي، كسفح الحلم المنتهك، فأسير برؤياكم على سطح الماء
مروا بي، فأنا النشيد و العلم
أنا المدى، والتباسكم الوجودي لم يكن يوما أكثر مجازاً وحريةً
...إلا الآن
فلتخلعوا عنكم أثواب قوس قزح، و أقنعة المطر
في بلاد القحط
هاأنا على صهوة دمائكم
أتدلى من حافة السيف و التعريف
كلي "تناصكم"، و أنتم إيقاعي
نهاراً منثوراً على عتمتكم
هباتي، صرخات قمح يفتق الأرض وطناً
أنيني حدود رئاتكم
نهداي حفلة الفلز أمام البراءة
فماذا تنتظرون
وسماؤكم خرساء
وأنبياؤكم جدب
....وصمتت
 
*************************************
 
قال: تمهلي ياشاهدة قبري
ريثما أختار ترجمان النص المقدس وكاهنه
أخطه على جسدك الرخامي ذو الزرقة السماوية
في حضور أبهة الآلهة وشياطينها
تمهلي، علي أفصل للموت دياثة أكثر واقعية
لا تقلقي على مجازك، فبياننا أكثر تورية
إيقاعنا صمتك
تمهلي، علَّ شيخنا يحضر ليؤول فنجانك الدامي
فأنت فقد الطعم
ونحن فقد البصيرة
إنتظرينا، بين فقدين..
غمازيتنا الضاحكتين
 
 
على صفحات عرب الـ48:
http://arabs48.com/?mod=articles&ID=88203

Sunday 1 January 2012

الله محض شعر : تأملات في الشعر

الله محض شعر

إذا كانت اللغة معيار حضارة الأمم، ومخزونها الإدراكي والتفاعلي اللذان يعطيانها فضاءها الحضاري المؤثر والفاعل تاريخياً، فالحيز الشعري هو الفن اللفظي/ اللغوي الأكثر تماساً وتماهياً مع سيرورة تلك الأمم وأفرادها. ومهما خيّل إلينا أننا نحيا عصر «النثر»، و«الرواية النثرية»، فيجب علينا أن نعي أن الانفصال بين تلكم الأنواع ومحركاتها الشعرية الأولى (الأصل/الجذر)، بما تمثله من اعتراف وتحريض وسحر وعبادة وهيام، مستحيل التمام، وإن كان ذلك لا ينفي تأثير مختلف العوامل السوسيومعرفية على سيرورة الشعر، كالأنوثة والحداثة والقصيدة وغيرها، حيث يمكننا تتبع تلك التأثيرات في الكثير من التمفصلات التاريخية بين مختلف صنوف الشعر (أولاً)، ومع علاقة الشعر بالصنوف والفنون الأخرى (ثانياً).

الشعر سمة الأصالة في كل فن معبر عن الإنسان يعتمد الكلمة، فإن كانت كل الفنون تطمح إلى الحالة الموسيقية -حسب فالتر باتر– فإن ذلك الجنوح لا يتم إلا عن طريق الشحنة الشعرية/الموسيقية الكامنة في تلك الفنون، فصناعة الرواية مثلاً سميت: POETICS OF THE NOVEL، فإن عزلتَ عن الفنون جانبها الشعري/الموسيقي سقط عنها إبداعها، وتماهيها مع التوق الإنساني للحقيقة.
«كل الفنون صور للحقيقة، إلا الموسيقى، فهي الحقيقة نفسها»- شوبنهاور.
فما أن تعلّم الإنسان «الأسماء كلها»، حتى كاد الشعر أن يكون ألوى تمظهراته الصوتية/ الموسيقية المنطوقة التعبيرية عن ذاته، وعن إدراكه للطبيعة للمحيط (والمسافة بين الذات والموضوع)، فكان على منطوق القول/الصوت أن ينفصل عن الحاجة الانسانية –وإن أثّرت في التكوين اللغوي- ليصبح الشعر حينها أشبه بمس من قوى سرية غامضة تحرك الإنسان، وتمنحه القيمة -فيما هو خلف البحر- من معانٍ جديدة للحقيقة، وتطاير الرؤى خلف السماء الأخيرة، مستخدمة من جماليات وشائجية تربط الإنسان بجذوره في الماء والشمس والقمر والتراب، فكانت الموسيقى والشعر، ضوء وظل.





 وكانت الأسطورة الشعرية ظلّها قوام تفكير الإنسان وقياسه، فهي التي «توحي إليه بدوام الصلة بينه وبين القوى المحيطة به، تلك الآلهة التي راح يعطيها أسماء وصفات مستقاة من تجربته وأحلامه وشعره.
لذا فإن كانت «الصورة الشعرية بروزاً متوثباً ومفاجئاً على سطح النفس»، فتراكُم الصور الشعرية يعطيها فضاءها السردي تاريخياً، لذا كانت على امتداد الحضارات كلها مدونات الإنسان الملحمية والبطولية والتأملية، وتراثه القصصي نظماً شعرياً بدايةً من جلجامش ومآسي إيسخيلس وسوفكليس ويوريبيدس والإلياذة والأوديسا والكوميديا الإلهية وغيرها الكثير مما لا يتسع له المتن هاهنا. وذلك لما للشكل الشعري وتورطه الفني المتنوع من تجاوز وتعالٍ عن مسرود الفردي اليومي المجرد، إنما لشموليته وتسامي معانيه وتجاوزها حيز النسبي، فهو يمس الهوية الجامعة للوطن والأمة والإنسان، بالشعر يتخطى الإنسان نفسه... لمصاف الآلهة.

 «شعب بلا شعر... شعب مهزوم»- محمود درويش.
يسوقنا ذلك للتساؤل، ها تندفع البادئة الشعرية، أو الصورة الشعرية لاندفاع داخلي؟ أهي صدىً للماضي؟
بحسب باشلار، فالصورة الشعرية لا تخضع لاندفاع داخلي، وليست صدى للماضي، هي وهج الصور المترددة للماضي البعيد الأصداء، ولكن من هنا يصعب -بحسب باشلار- معرفة على أي عمق سوف يتم إرجاع هذه الأصداء الماضوية أو تلاشيها أو ارتباطها بتفاصيل الراهن. ولذا فهو يرى أن الصورة الشعرية لها فرادتها وطزاجتها المعبرة عنها، مما يعطيها هوية ودينامية خاصة بها، وأنطولوجيا شعرية آنية ومباشرة لا يمكن تمام الإمساك بكثافتها إلا لحظياً، ونعرِّفها بميتافيزيقيا الخيال الشعري.
إن البادئة الشعرية والصورة الناتجة عنها، تضعنا بعيداً عن شرارتها الأم/الجذر أمام العديد من الأسئلة، فكيف تستطيع الصورة الشعرية خلق زمنية منفصلة وخاصة وجامعة في آن، تبدو على قصرها وكأنها تكثيف للنفس الإنسانية؟ كيف لها أن تحدث أثرها في عقل وقلب ووعي المتلقي، قافزة فوق حواجز الحس «السليم»  و«خصوصيات» المعرفة، ومدارس الفكر المختلفة والمنظمة له، والقانعة برساختها أمام أي شيء إلا الشعر؟

 وإن قيل أن الإحالة إلى الذات الشعرية كفيلة بمعاونتنا على فهم آلية تكوين الصورة الشعرية (البادئة الشعرية) وتشريحها، كالتحليل النفسي مثلاً، إلا أنها تغفل طبيعة الصورة الشعرية باعتبارها حالة حوار «تنويعاتية» وليست  «تكوينية»، مع الذات والمحيط.
كتب بيير - جان جف قائلاً: «الشعر روح تتفتح شكلاً»، هي هنا القوة العليا والكرامة الإنسانية وفضاء الوجود الإنساني الأسمى، وكأن القصيدة الشعرية نبض جديد في الجسد الإنساني، لتذكره على الدوام أنه في سعي للاكتمال مع الروح الأعلى: الله.


______________________________________________

رابط المقال على صفحات "فلسطين الشباب":
http://www.filistinashabab.com/index.php?option=com_k2&view=item&layout=item&Itemid28&id=934