Wednesday 11 November 2009

في عشق المكان


أحمل أوراقي وأقلامي معي أينما ذهبت ، أرصد تحركاتهم من حولي وداخلي لإيماني بأنهم أكبر من حدود الطبيعة والفيزياء و الفلسفة والأديان.
هم الزمان و المكان..نسير ثلاثتنا بالتوازي حد التطابق لا التقاطع ، منا تخرج الكثير من الدوامات البشرية كالهوية والدين والوطن و المنفى والآلهة نبحث فيهم عن ماهية لن نجدها بتمامها ، لأن نقصانها هو إكتمالنا إنسانيا .
رحلة الزمان و المكان و الأنا هي من تعطي تمايز الحيوات بين البشر ، هي التي تعطي لماوراء الطبيعة رونقه ، فلكل زمان و مكان وأنا إختلاف حد التطابق فيما بيننا جميعا يجعنا من نحن ويجعل كلا منا فردا مميزا.


حديثي ههنا يتناول الأماكن – أماكني ، وهن لسن كثيرات ، وليعذرني قاريء سطوري ههنا لإستخدامي ضميرا مؤنثا في الكثير من إشاراتي السابقة و اللاحقة ، لأنني ولأسباب عدة أسعى للإكتمال مع إناثي ولو لفظيا .
فكما كان آدم مكتملا مع حواء – والمعية تقتضي المساواة وليس التبعية، وذلك الإكتمال فسر لي الجريمة الإنسانية الأولى والتي لها العديد من الأبعاد أناقش إحداها ههنا - التي قام بها قابيل الذي لم يكن مكتملا أيضا ، ومما قيل أيضا أن حواء كانت تلد في البطن الواحدة توأمين إثنين من ذكر وأنثى ، إلا المرة الأولى التي جاءت بقابيل وهابيل ..ناقصين.
أسعى لأن أكون مكتملا .

أماكني – إناثي هن هاهنا إكتمال لذاتي ، لم أزر من النساء – المدن الكثير ، إلا أنني أنوي التورط حتى النهاية معهن جميعا . لذا فسطوري – بكل فوضاها هذه – إنما هي محاولة لأعي نقصاني كاملا لأكتمل إنسانيا وفكريا بهن .

يشتاقها وهو في الطائرة بتذكر قبلة وداعه من شفتيها ، يتوقف به الزمان و المكان ، المكان على عتبات بيته بين ذراعيها على قارعة قلبها ، والزمان ما بين القبلة الأولى و الثانية....حياة.
في الفندق يفرغ حقيبته من قمصان رتبها حس أنثوي بالغ النضوج على سرير يتخوف بدوره من ليله ماطرة وشهوة ، يسأله ماذا تنوي أن....؟
يقاطعهما دق على الباب أنثوي أيضا ولكنه بالغ الغواية ، يفتح بابه ، ليراها :
هي هيلين طروادة ، بنهدين مكتنزين بالمستحيل كثمرتي رمان ، وكتف ذهبي عار من الواقع ، تنحني له الشمس ، وظهر من مرمر عار هو الآخر إلا من خط طويل من الشهوة يقطعه يصل الجنة بالأرض على جانبيه تضاريس حلم .
ما أن رأتها يداه حتى تساءلتا قائليتن :
كيف لنا أن ننسى تضاريسا عبرناها بشهوة وحلم وسرقة وخوف وعشق في زمان آخر ومكان قصي فصارت لنا هوية خطت لنا خطوطنا وأسماء آلهتنا ؟

تدخل به عوالم من الألوان و الموسيقى خارج الآن والهنا..

من وسط كل ذلك يبزغ وجهها من البعد حبيبته الأولى من بين كل الإنتماءات التي حملها وحملته ، ليعود إلى زمانها ومكانها وأناه...فعلى عتباتها لا خفة للنوايا ولا ثقلا للهواجس..ليشتاقها على طرق سرير وحلم .

أسير في شوارع باريس ، للزمان والمكان ههنا من حولي ملمس آخر ، مابين تماثيل علتها الأساطير والأتربة لترسم لها ظلال وجوهها غائرة في ملامحي، تطل علي مني .
ببناياتها الضاجة بالحكايا والأسرار ، وهواء يعبق برائحة الخبز والنبيذ والغواية ، فكما للنساء عطرا للمدن من أنوثتها كذلك.

أغرتني؟؟......نعم.
أدمنتها؟؟.......نعم.
عشقتها؟؟......نعم .

منذ اللحظة الأولى التي كشفت لي عري كتفها ورجولتي ، وأضحت عشيقتي ، وأصبحت معها وقبلها خائنا ، منذ اللحظة الأولى التي سرت في جسدي قشعريرتها لتجتاحني فتحيلني رمادا وتبعثني ، علمت أن إرتباطنا أبدي..زماني ومكاني وأنوثتها.

أفقت حينها على صوت قاهرتي بحناجرها الألف ، تناديني وتسألني:
- أين أنت عني؟؟؟
- في رحلة عمل....
- لم تغمض عينيك؟؟؟
- لأراك بكامل النقصان حولي...فأشتاقك.

أرى إنعكاس وجهي في وجهي ، في قطرة عرق سالت على ظهر كل منهما ، بعد ليلة عشق أيروسية هي كل مرة المرة الأولى يسألني :
- أين إكتمالك؟؟ فيك عاشق وخائن..

أتعبتني مطاردة الزمان و المكان ، في قضاء وقدر يقبل ألف تاويل ، نسير لا يجمعنا سوى إختلافنا ...وإناثنا.

للمكان أناي وزمانه.
للزمان أناي ومكانه.
أما أنا...فلي زمان قاهري ومكان باريسي...
وحبيبتان.
________________________________________________

5 comments:

Anonymous said...

حلوه جدا

Abdulla.N said...

شكرا جزيلا يا سيدتي

Anonymous said...

ما هذه الروعة !..لقد "سرقت" زمنا من روتين محبوب لأقرأك .. ولكنني بحاجة إلى استنشاق النص من جديد بحواسي .. لي عودة بعد الواجب الذي أحبه
رامتان

Abdulla.N said...

شكرا لك ياسيدتي..
شكرا للزمان زمانك..
وشكرا لسماحة روتينك في هذا اصباح الجميل

عبدالله البياري

Abdulla.N said...

كان هذا من أجمل التعليقات التي قرأتها على ماكتبت:

قرأتها من قبل في المدونه فلست بحاجه الي تاج لأقاوم قراءة هذا الذي تبتدعه
أذكر يوم ان قراتها كان لدي كورس قبيل الغروب توجهت من المنزل اليه وطريقي علي كورنيش البحر بالاسكندريه
وجدت نفسي لا اراديا أذكر الكلمات يالله

ولاني كنت قرأت تدوينتك الاخري مابين المنفي والوطن... See More
فارتبط لدي كل شئ المنفي بالوطن بعشق المكان بعشق الورقه والقلم
فمن ظل وفيا للورقه والقلم في توحش عالم مابعد الحداثه والعولمه الكاسره يعد انسانا نادرا
صدقني كانت كلماتك ستفقد الكثير من رونقها عندي لو ذكرت اللاب توب مثلا
كنت سأشعر بالطرد والاستبدال والتغيير وانا لا احب هذا
انا احب الحنين والقلم الرصاص والاوراق التي تنثني مع الايام وتصفر مع مرور زمنك ويمكن ان تحدد عمرك بمدي اصفرار اوراقها
هي علامة الانسانيه والانسان يري فيها وجهه وروحه
وليس كالشاشه الفضيه اللامعه للاجهزه الحديث التي تشعر انها في زمن لا يعترف بالزمن
ثم أثارني هذا التناقض المتناغم الغير متنافر بين كلماتك فأنت تعشق باريس وتحن للقاهره ولا تنسي حروف العربيه بل وتفتش عنها في كل مكان
أنت تعطي مساحه لذاتك لكنها لاتاخذك من المشاهدات حولك ولا تنعزل بصنع نموذج تخيلي للقاهره في باريس كي تجعل نفسك تشعر بها أكثر
لم أر في حياتي هذا الانفتاح في الغربه لاشعر بالوطن
تغمض عينك لتراها بكامل النقصان حولك فتشتاقها
لم أر هذه المفردات من قبل والمضادات التي تتجمع فتوصل الينا المعني كاملا
التفاصيل الصغيره التي تشكل وعينا ومانفتقده في الاماكن التي نترك فيها ذواتنا
لهذا لا يعد حبك لباريس خيانه لان هناك من الاماكن ماتفرض علينا عشقا وحنينا لانها تأخذ منا مجهودا في رؤيتها وكلما تشعبت التفاصيل طال تعلقنا بها لكن الوطن الذي يلوح في كل نواحي أرواحنا لانستطيع نسيانه لاننا علي مقدار حبنا له وانتمائنا لتفاصيله سنحب الاماكن الاخري فمن يستطيع الحب والرؤيه الشفافه لايستطيع أن يتجاهل الجمال حوله فهذا وفاء لوطنه الذي علمه كيف يذوق الحب مع رشفات قهوة الصباح وكيف يفقه الجمال وكانه يقرا في كتاب
لولا القاهره لما كانت هناك باريس ولايافا ولا بيروت