Tuesday 3 November 2009

المعرفة والقوة : في الإختلاف


إن الكثير من التعبيرات السياسية و الحضارية و الفكرية الطافية على السطح حاليا والتي تتناول العلاقة مابين الإسلام والآخر في عمقها تحتوي خطأ فكريا يرفضه المنطق والواقع ، من تلك المسميات التي لا تعدو كونها ترجمة حرفية للتعبيرات الإنجليزية والتي لايمكن تطبيق معاييرها على لغتنا مفتاح فكرنا وتواصلنا الإنساني مع الزمان و المكان من حولنا كان التعبير القائل :
(الإسلام والغرب).
فالجمع مابين الإسلام والغرب يضعهما على طرفي علاقة تجمعهما تفترض التناقض أو التقابل ، ولكن ذلك لا يستقيم بأي صورة كانت مع معنى لفظ (الإسلام) ولفظ (الغرب) ، ف(الغرب) هو لفظ دال على جهة من الجهات الأربع لا تجمعه أي صفة سوى مدلول الجهة التي قد تكون شرقا أو شمالا أو جنوبا في حين أن لفظ (الإسلام) ليس دالا على جهة ما بعينها ، قد يقول البعض أن لفظ (الغرب) له إسقاطاته السياسية والتاريخية و السسيولوجية التي تتعدى تلك الجغرافية ، وذلك صحيح ولكن لايمكننا مقابلة تلك الإسقاطات أيا كانت بالإسلام لأن الإسلام ليس إنتماءا سياسيا أو جغرافيا أو سسيولوجيا أو حتى تاريخيا بل هو بعد إنساني روحاني لا يفرق بين شرق أو غرب إنتماؤه الوحيد هو الإنساينة كما هو الحال مع أي دين.


* * * * * *
إن الحاجة لحوار الحضارات ، ليست حاجة حضارية يمكن إختصارها في جانبها السياسي أو الإقتصادي – مع أننا مجتمع مستهلك مغرم بعنتريات المقاطعة في إحدى صور الإختلاف - ولا الثقافي ولا الفكري فقط ، بل كل تلك الجوانب مجتمعة والتي يشترط لوجودها وجود الآخر في بعد يجمعني أنا وهو .
كل منا ينتج من وجود الآخر، الذي يعطيني كينونتي الفاعلة وأعطيه أنا كينونته تلك بوجودي، ذلك البعد هو إنسانيتنا الجامعة لا يفرقنا جمعنا شئنا أم أبينا تلك الإنسانية التي تسمو فوق كل إختلاف ، وذلك الجمع بتراكم إنتاجه المعرفي و الثقافي والفكري الذي يوجد بنا لا بأحدنا الذي يجعل من إنسانيتنا أملا في الأفضل .
إن القاعدة التي يتبناها البعض للإعتراف بالآخر حضاريا ضمن منظومة (الإختلاف) فقط ، إنما هي تعامي عن أن الإختلاف هو النتاج الطبيعي للتشابه والإختلاف الإنساني والذي يعرف علميا بال
(individualism)
أي التفرد والذي ينتج بدوره الوعي الجمعي والثقافة الجماعية للأمم بناءا على التشابه في نقاط التفرد الفردية المبنية على إختيارات لا يمكن فصلها عما يجمع أصحابها.
وبكلمات أخرى ، (إختلافنا) ينبع من تشابهنا ، فالدين مثلا ، أي دين إنما هو مذهب روحاني – إنساني ، يؤمن للإنسان-الفرد إجابة عن أكثر التجارب الإنسانية عمقا التي تتناول الموت والحياة والخلق و الروح والكينونة وهي التجارب والتساؤلات التي يتشارك فيها الكثيرون قبل أن تختلف إجاباتهم-أديانهم.

* * * * * *

ومن هنا كان الإيمان بالإختلاف مرجعية وقاعدة إنسانية ، في عصر الحساسيات وثقافة الصورة ، والعقول الإسفنجية التي لا تعرف للنقد والتفنيد سبيلا ، يجعل منه خطرا ، أثبت التاريخ أنه كان أحد أهم المسببات للكثير من الحروب و النزاعات ، التي راح ضحيتها الكثيرون ، وخسرت أمامه الإنسانية الشيء العظيم ، وذلك لأن الإنزلاق من الإختلاف المجرد لإستحواذ الصواب ورفض الآخر كان وسيظل آفة إنسانية بإمتياز ، والتي سرعان ما تجد من المسببات والدلائل والأبواق ما يتغزل في ذلك الإختلاف لصالح طرف دون الآخر، يصل في كثير من الأحيان حد تشويه النصوص الدينية والأحداث التاريخية وإخراجها خارج حدود التأويل لزمن الأصنام ، ومحاكم التفتيش والظلام.
لذا ففرضية الإختلاف لا يجب أن تسمو فوق قاعدة التشابه ، الإنساني والحضاري ، فالغاية واحدة مهما إختلفت الوسائل دون إستحواذ للمشروعية والإختلاف ، ومن هنا كانت قاعدة فرق تسد.

* * * * * *

يحضرني لدى الحديث عن الإختلاف والتشابه ومدى أهميتهما ، عند تناول التفاعل الحضاري – الإنساني للإسلام – الآخر ، نقطة وجب ذكرها للتدليل على أهمية الجمع لا الإختلاف .
فمن المعروف عند تناول سلسلة إعتراف الأديان السماوية بعضها ببعض ، أن الأديان السماوية الثلاث يعترف كل منها بسابقه لا بلاحقه ، فالديانة اليهودية لا تعترف لا بالمسيحية ولا بالإسلام ديانات كتابية سماوية ، ولا يمكننا تناسي دور اليهود وأيديهم الملطخة بدم سيدنا المسيح ، مهما تدخلت السياسة والإمبريالية بألاعيبهما لتطال التاريخ بغية تزويره . والمسيحية تعترف بالإرث اليهودي كجزء من ميراث ديني مشترك ، وتنكر سماوية الرسالة الإسلامية ، ومن ثم جاء الإسلام أخيرا ليعترف بسابقيه – اليهودية والمسيحية – جاعلا ذلك الإعتراف المطلق مقابلا لإنكار مطلق منهما ، لينطلق بإعتبارهم حاملين لجزء كبير من الإرث الإنساني والسماوي الذي لا يكتمل الدين الإسلامي إلا بهما ، ليضع اللبنة الأولى للجمع لا الفرقة والإختلاف .
ومن بعض الآيات الكريمة التي جاءت في كتابه العزيز حول هذه النقطة – للمثال لا للحصر- :

قال تعالى : (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) سورة المائدة آية 48
وقال تعالى : (آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وماأوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم بين أحد منهم ونحن له مسلمون)
البقرة آية 136
وقال تعالى : (ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
سورة البقرة آية 285.

No comments: