Wednesday 23 December 2009

المعرفة و القوة : العولمة (1): وقفات في التاريخ

تقديم :

سلسلة المقالات المعرفة و القوة التي تتناول موضوع العولمة هي خلاصة بحث قمت به بعين المراقب و الباحث وليس بعين الخبير وتلك السلسلة سيتم نشرها تباعا تحت عنوان :

المعرفة و القوة : العولمة

وسأركز في كل مقال منها على أحد الجوانب بالتفصيل.

قبل البدء في الحديث عن العولمة وجب علي التوقف لدى بعض النقاط والنظريات التاريخية التي تتناول تطور الحضارات وإنهيارها بشيء من الإختصار.


******

نظرة هيجل للحضارة و التاريخ:


التطور التاريخي – الحضاري لدى الفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيجل إنما هو عبارة عن سلسلة من تطور الوعي الإنساني بالحرية ، وهو تطور –باديء الأمر- منطقي قائم على التقدم نحو النظام و المعقولية والحرية و العدالة كمنتج نهائي .

أي أن الأفكار هي العامل الحاسم في توجيه التاريخ وتسييره ، لأن الإنسان في النهاية هو كائن مفكر حر ، ولأن المعرفة الإنسانية لا تعود أبدا لنقطة الصفر لأنها وببساطة تراكمية ، لذا فالنهاية الحتمية للتاريخ الإنساني إنما هي سعي للكمال من الأدنى للأعلى ، والحكم هو سمو الفكر في مثالية مطلقة تبدو بعيدة عن أرض الواقع وعالم الإنسان ، وواقعية أن لكل تجربة ظروفها وخسائرها . كانت تلك أحد جوانب الضعف في نظرية هيجل للتطور الحضاري بجانب ميله لجنس – عرق بذاته ومنحه أفضلية بناء الحضارات على أجناس أخرى .

وقد قامت فلسفسته على التفاعل الدائم ما بين الفكرة ونقيضها حتى الوصول للمطلق الخالي من الصراعات و النقائض.

وهو ما بنى عليه مفكرون جدد من أمثال المفكر الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما نظريته التي تعد إمتدادا لنظرة هيجل تحت إسم "نهاية التاريخ" إلا أنه – فوكوياما- في كتابه قد برر نشر الفكر الليبرالي الحر بقوة السلاح وكان من أكثر الدعاة لنشر الديموقراطية الأمريكية على ظهور الدبابات وإحتلال بلاد مثل العراق ، إلا أنه تراجع عن تلك الدعوة فيما بعد.


******


نظرة كارل ماركس :


إتجه فكريا الفيلسوف الألماني كارل ماركس مع نظرية هيجل من حيث المبدأ ، إلا أنه قد جعل مرجعه هو (المنحى الإقتصادي / المادي) وليس الفكر الحر ، فكان يرى أن المجتمعات و الحضارات الإنسانية تتحرك وفقا للحاجة المادية ، حتى على المستوى الإنسني – الفردي .

يتجلى ذلك بوضوح حينما ربط إعتراف المجتمع قديما بإنسانية المرأة ودورها فقط مع ظهور تأثيرها/إنتاجيتها إقتصاديا – ماديا في مجتمعها ، في أبرز صور طغيان المادية على الإنسان .

فالمجتمع لدى ماركس ينتقل من الشيوعية البدائية إلى الشيوعية المدنية المتحضرة مرورا بالكثير من المراحل منها مرحلة السادة و العبيد في العصور القديمة ومن ثم الإقطاع بسادته وعبيده في العصور الوسطى وبدايات الحديثة ومن ثم الرأسماليين و الأجراء والذي سرعان ماسيسقط بإنتصار العمال وسقوط الناس جميعا تحت طبقة واحدة يتساوون فيها .

وبعيدا عن إسقاطات نظرية كارل ماركس التي وعدت بنظام يبشر بسقوط الدولة وأجهزة القهر من شرطة وجيش وثقوب تلك النظرية الجلية من تجاهل الوازع و المحرك الديني المؤثر على إختيارات الشعوب و الحضارات لأنها تخاطب العاطفة الأقوى شعبيا وهي الخوف من المجهول – مابعد الحياة - وذلك في عبارته المأثورة : الدين أفيون الشعوب.

إلا أنه يظل طرحا وفكرا موجودا .


*****


نظرة المؤرخ أرنولد توينبي :


ذهب أرنولد توينبي المؤرخ الإنجليزي إلى أن قيام الحضارات ليس محكوما بالعوامل البيولوجية من سمو عرق أو لون بذاته كما ذهب هيجل وغيره .

كما أنها ليست محكومة – في النشأة وليس التأثير- بعوامل جغرافية ، وليست نتاجا ماديا كما وصل إليه ماركس.

إنما الحضارات تنشأ تحت مبدأ: التحدي و الإستجابة ، ويقصد بالتحدي هي الظروف التي تواجه الإنسان أثناء عملية البناء الحضاري فتؤثر سلبا أو إيجابا ، و التحدي لدى توينبي – ومنطقيا – لا يخرج عن إثنين :


تحدي طبيعي : وهو تلك العوامل التي تفرضها الطبيعة أمام الإنسان كاجفاف و الفيضانات و العواصف ...إلخ ، فالحضارات لا تزدهر في أسهل الظروف الطبيعية بل تزدهر تحت بند البقاء للأقوى في دائرة تجمع التحدي و المجتمع الإنساني من دون إغفال عامل الظروف المساعدة .

فإزدهار تلك الحضارات يأتي بقدر شدة التحدي ، والتاريخ زاخر بمثل هذه الشواهد ليس أقلها الحضارة الفرعونية و البابلية و السومرية ، لذا فإن كان نهر النيل هو سر قيام الحضارة الفرعونية القديمة فلماذا لم تقم حضارات مشابهة في العظمة على أنهار مثل الدانوب أو واد الأردن أو حوض الكونغو؟؟

وإذا كان الرخاء المفرط يقتل الحضارة فكذلك التحديات الطبيعية بالغة القسوة و التي تقتل وتفتك بالنشاط الإنساني وتصل به إلى درجة العدم ، مثال ذلك القطب المتجمد والصحارى التي لم تحتضن سوى بذرة المجتمع الإنساني الغير نامي المرتحلة الغير مستقرة وهي البدو.


2. التحدي البشري : يختصر الضربات الداخلية و الخارجية التي تنالها أي حضارة بداية من الحروب و الإنقلابات و المعارك والحصار والإسترقاق ، هي عوامل تحفيز تستفز العقل البشري بصيغته الفردية و الجمعية للإزدهار و الإبداع كصراع بقاء وإثبات وجود .

ويذهب أرنولد توينبي إلى أن إنهيار الحضارات لا علاقة له بدورة التعاقب الحضارية التي وضعها الكثيرون من فلاسفة التاريخ وأن نهاية الحضارات ليست حتمية إلا بقدر إنهزامها أمام أي تحد.


إن نهاية الحضارة لدى توينبي هي

نتاج لعوامل داخلية فالغلبة الظاهرية وإن كانت للعوامل الخارجية إلا أنها لم تكن لتحقق هذه الغلبة مالم تكن تلك الحضارة قد إ

نتحرت بشكل أو بآخر داخليا.

إن السبب الذي خلص إليه أرنولد توينبي في دراسته للحضارات و التاريخ و

التي فصلها في كتابه : (دراسة في التاريخ ) ، تقول بإن إنهيار أي حضارة داخليا يكمن ف

ي فقدان الأقلية أو النخبة الحاكمة ملكة الإبداع في الحكم ، ويمكنني القول أن ماقصد

بذلك التعبير في كتابه هي :


الثقة :


المواطن يفقد ثقته في القانون ا

لمطاط الذي لا يعد سقفا سوى لعامة الناس بينما هو أرضية للنخبة الحاكمة في نظام الحز

ب الواحد ، مما يفقد القانون سلطته وهيبته لدى المواطن الذي يعي تماما أنه وليتخطى القانون لا لتنفيذ غرض غير قانوني كل ما يحتاج

ه هو صلة تصله بدائرة ذلك الحزب الحاكم ،في صورة التقرب من أحد شخوصه .

بينما طبيعيا وجب على القانون ومشرعيه توفير كل القنوات القانونية التي تتيح لمواطن الوصول لهدفه ، وبالذات أن ذلك

المواطن قد أدى ماعليه من واجبات وإلتزامات قانونية ومدنية وعسكرية إتجاه هذا الوطن م

ن ضرائب وخدمات مدنية وخدمة عسكرية .

كما أن ذلك المواطن سرعان مايفقد ثقته في النظام الذي يتغنى عبر كل أبواق الإعل

ام بوجود خدمات وبنى تحتية تخدم المواطنين بكل فئاتهم لايرى المواطن منها شيئ

ا إما لعدم مصداقية النظام أو وسائل إعلامه أو لأن تلك البنى التحتية و الخدمات إنما تخدم تلك تلك النخبة الحاكمة ن وفقدان تلك المص

داقية في عملية التواصل بين الفرد و النخبة الحاكمة أيا كان سببه إنما يعمل على توسيع ا

لهوة ، هوة الثقة بين الطرفين .

أما الدولة – النظام المختصر في نظام الحزب الأوحد ، فيفقد ثقته في في ذلك المواط

ن الناقم دوما المتأخر في سداد واجباته المدنية و الإجتماعية و العسكرية ، ومن ثم تبد

أ سلسلة التمنن الحكومي بما هو أصلا من واجبات تلك الأنظمة من حقوق إنسانية أصيلة وليست زوائد حياة.


الحقوق المدنية و السياسية و الفكرية :


إختلال الميزان الإجتماعي والسياسي

و الفكري وإتساع الهوة مابين النخبة و العامة في جميع المجالات السابقة وذوبان الطبقة الوسطى إجتماعيا وسياسيا وفكريا و ا

لتي كانت تشكل حلقة الوصل مابين الطبقة العليا والدنيا . يفسر غياب التواصل ونزي

ف الأدمغة والعقول و الطاقات وإختصار المجتمع المدني على ضدين متصارعين فقط هو المبرر الأكبر لسطوة الأجهزة القمعية وإستئثارها

بالصواب.

لأن المجتمع المدني هو بجميع صوره نظام سياسي يقوم على المشاركة مابين أع

ضاؤه جميعا في تدبير شؤونهم ، بإسقاط القاعدة الأقدم والأكثر بدائية ديموقراطيا و إنسانيا والتي تنص على (الحكم للأغلبية) ،

ذلك النظام القائم على حق الكلام والتواصل والذي يستتبعه حق الإختلاف .

ولأن حق الإختلاف ينتهي إلى إثراء الحياة المدنية و السياسية والإجتماعية و الفكرية بطريقة تكشف ماللنظام وماعليه وا

للمواطن وماعليه ، فلا يمكن محاربة الفردية إلا بالتنميط وتطبيق سياسية القطيع ، والتي يسوقها إعلام موجه أصم أبكم وأعم

ى .


إن الحضارة الآن تتكون من عديد الدول ، ولأن الواقع في منطقتنا يتشابه في الكثير من النواحي التي يمكن تصنيفها بحسب ن

ظرية أرنولد توينبي إلى عوامل داخلية تدور

في فلك الجنرال و الوالي و الصنم ، وعوامل خارجية لا يمكن القول بتأثيرها بعيدا عنا وهي العولمة ، فلا أجد بدا في زمن الأيديلوجيات إلا البحث في تلك العوامل

وأين سنكون منها وبعدها ...والآن.





وللحديث بقية

2 comments:

Tears said...

تلك معانى لا يفهمها او حتى يستطيع الصمود و قراءتها للاخر سوى المثقفين اما الغالبية العظمى فلا يعرفوا الفرق بين العولمة و العلمانية و اليسارية...نحن بحاجة لنهضة فى التعليم و الاعلام و نسف للانظمة الحالية التى سببت التخلف للناس

Abdulla.N said...

سيدتي بعد التحية
أؤيد وجهة نظرك وأشدد على أهمية الخطاب في جميع وسائل الإعلام و التعليم والذي يعتمد منهجية ليس التنميط وسياسة القطيع أحد اهم أركانها..بس التميز الفردي..

كل عام و أنت بخير..