Monday 28 December 2009

المعرفة و القوة : العولمة (2): في الإقتصاد


العولمة هي وضع الشيء على مستوى "العالم".

وفي ترجمتها الحرفية : هي تحويل المظاهر المحلية و الإقليمية إلى العالمية .

ظهر أول ما ظهر هذا المفهوم في المجال الإقتصادي للتعبير عن ظاهرة آخذة في التفشي عالميا كإنعكاس لطغيان المنحى المادي- المسمى حرا- للرأسمالية .

كلمة العولمة وبالإنجليزية

Globalization

ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية مما يجعل القول إقتصاديا بتحويل المظاهر المحلية و الإقليمية إلى العالمية ، إنما قصد به تحويل تلك المظاهر غلى النموذج الأمريكي غقتصاديا ، بحكم أنها رأس الفكر الرأسمالي .

وفي كثير من أدبيات الفكر تسمى تلك العولمة "أمركة"، إلا أنني شخصيا أعترض على المسمى من باب أن إتساع نطاق العولمة خارج النموذج الأمريكي وإن كان هو المصدر إلا أنه – النطاق- قد فتح الأبواب لنماذج أخرى .، سواءا عن تخطيط مسبق أم لا.

وددت أن أشير لدى عرضي هذا المقال إلى أنني لست من أهل العلم في المجال الإقتصادي ، إنما أنا مراقب للساحة ليس إلا ، ولذا توجب علي أن أذكر البعض من الإحصائيات لتوضيح التوجه العولمي العالمي:

* الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و فرنسا وألمانيا وإنجلترا تتوزع فيهم 172 شركة من أصل 200 من أكبر الشركات العالمية وهم الشركات المئتان المسيطرة على الإقتصاد العالمي.

* في تقرير للأمم المتحدة أوضح أن 358 شخصا من كبار أثرياء العالم تقدر مصادر ثروتهم النقدية حجم المصادر التي يعيش منها حوالي المليارين وثلاثمائة الف شخص في هذا العالم .

* عشرون في المائة من أثرياء العالم –وليس سكانه- يتحكمون في 80% من حجم الإنتاج العالمي.

عند تناول النتاج الإجتماعي لمثل ذلك التوجه العولمي الإقتصادي ، نلاحظ إتساعا في الهوة الإقتصادية بين المجتمعات المختلفة من ناحية وبين الأفراد في المجتمع الواحد من ناحية وإنسحاق الطبقة الوسطى التي هي عماد المجتمع أيا كان .

الهوة بين المجتمعات:

نجد أن رؤوس الاموال تتدفق من الدول الرأسمالية المنتجة بإسم الشركات متعددة الجنسيات للكثير من الدول النامية والفقيرة والتي يستغل أوضاعها الإقتصادية و السياسية و الإنسانية الفاسدة أصحاب الشركات المتعددة الجنسيات إما لتدني اجور الايدي العاملة أو منح التسهيلات القانونية و الإجرائية أمام الإستثمارات الأجنبية وكسر حدود الدولة القومية وسيطرتها على أوضاع العاملين و الغقتصاد أو لأن بعض الأنظمة ورموزها لابد أن يقتطع حصة من الكعكة التي تذهب في كروشها وغالبا ما تكون تلك القطعة صغيرة، مقابل السماح بالكثير من التعديات .

لنجد أن المنتج النهائي تختلف تصنيفاته من الممتاز للمتوسط والمقبول وليتم تصديره فيما بعد للمستهلك كل بحسب تصنيفه ليعود – إن عاد – للدولة المصنعة لذلك المنتج الذي يكون في الغالب من مؤخرة التصنيف ، أما ذلك المنتج تحت الخمس نجوم فيعود لدول ال172 المسيطرة.

مثال تلك الهوة ، والتي يدافع عنها الكثيرون ممن غاب عنهم الحس الأخلاقي و الإنساني بداعي أن المادة هي الهدف النهائي لكل المجتمعات ، تلك الحالة التي يغفلها الكثيرون وهي لأحد أشهر المقاهي في العالم و الذي يرتاده الكثيرون ممن سيحالفني الحظ ن يقرؤوا سطوري هذه .

تلك السلسة التي إبرمت عقدا تجاريا مع حكومة إثيوبية فاسدة جعلت الحد الزمني مفتوحا لسقوط العقد ، مقابل شراء أوقية البن الإثيوبي بمبلغ الست سنتات ، وكما نعلم فإثيوبيا أحد أفقر دول العالم .

ومع إنتشار تلك السلسة من المقاهي إلا أن زاد من البيع وأدى إلى إشتهار البن الإثيوبي وعمل الحكومات المتعاقبة على تطوير صناعته حتى قارب أن يماثل البن البرازيلي جودة ، مما حدا بالحكومة الإثيوبية أن تطالب برفع قيمة الأوقية من ست سنتات إلى ستين سنتا أي مضاعفة الدخل القومي لبلد كامل يرزح تحت الفقر من القهوة عشر مرات إلا أن أصحاب تلك الشركة رفضوا بحجة ان ذلك غير منصوص عليه في العقد .

وطبعا سيتسائل البعض ، من الممكن ان يكون الرفض مبررا بأنه سيضر بمكاسب الشركة ،وفي بيان صدر عن منظمة التجارة العالمية حينها اوضح أن مصاريف الشركة على منتجها بداية من الحصاد وحتى البيع- الإستهلاك للأوقية الواحدة كان 5 دولارات ويتم بيع الأوقية الواحدة بما يعادل 26 دولار .

والفرق بين الست سنتات لدولة و 21 دولار لشركة قائمة على أفراد واضح .

تلك كانت سلسلة ستاربكس العالمية.

لا تعليق.

أما لدى الحديث عن الفارق ضمن شرائح المجتمع الواحد:

نجد أن حاملي نفس الشهادات العلمية لا يحصلون على نفس الراتب و لانفس الدخل ، ضمن نفس المدى الزمني و العمري وفي المجتمع الواحد.

فمن الحاصل وبكثرة أن يساوي دخل فردين أو ثلاثة من رؤساء مؤسسة بنكية مثلا مايعادل ذلك لنصف العاملين في تلك المؤسسة .

مثال ذلك :

* نسبة الإرتفاع في الغنى و الثروة كان ستين بالمئة في الولايات المتحدة بين عامي 1975- 1995 ، غير أن المستفيدين من هذا الإرتفاع لا تتجاوز نسبتهم الواحد في المائة .

* في فرنسا مثلا تفيد الحصائيات أن عشرين بالمئة من الفرنسيين يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمئة من الثروة الوطنية ، وبعبارة أخرى أن عشرين بالمئة من الفرنسيين الذين يتبوأون قمة السلم الإجتماعي يتصرفون في ثلاثة وأربعين بالمئة من الدخل القومي ، بينما عشرين بالمائة وهم المصنفون في ذيل تلك القائمة لاينالون من ذلك الدخل سوى 6%.

* لم أرد كذلك تفاصيل الوضع الإقتصادي في دولة الإحتلال كي لا تساق الحجج بأنها دولة ذات وضع خاص ، وإن كانت الفروق الإجتماعية واضحة.

في النهاية فالعولمة كمفهوم إقتصادي آخذ في النمو و الإتساع ليصبح نسقا أيديولوجيا يشمل السياسة و الفكر و الثقافة و الإتصال وليس الإقتصاد فقط.

مما يفتح باب التساؤل عن مصير الدولة القومية وسلتطها أمام دولة الإقتصاد؟؟

فالعولمة تلغي حدود الدولة القومية إقتصاديا – كبداية- وتفتح أبوابها لحركة رؤوس الأموال و التجارة الحرة بدون شروط ، وإلا فلتخرج من النسق العالمي في خلط واضح ومتعمد وغير خالص النية للخلط مابين (العولمة) و العالمية).

كل ذلك يدفعني للتساؤل : هل العولمة هي (مابعد الإستعمار) لأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة حديثة نسبيا ولا تاريخ إستعماري لها ، مما يفسر كون كل حروبها قد خاضتها خارج التراب الأمريكي لأسباب جغرافية وسياسية ، وأن كل رئيس أمريكي بداية من كنيدي وأزمة خليج الخنازير الكوبي كان مطالبا بإظهار عامل القوة و التقوف الأمريكي عسكريا وسياسيا على إمتداد مختلف إدارات البيت الأبيض؟

ويفسر كذلك رد الفعل الأمريكي – العالمي بقيادة أمريكية متخطية كل القوانين و الشرائع الدولية ،ردا على أولى الضربات التي وجهت لبلاد العم سام على أرضه في الحادي عشر من سبتمبر؟.

وهل ذلك ال (مابعد الإستعمار) لا يعني القطيعة مع ال (ماقبل الإتعمار) ، بل يعني الإستمرار فيه بشكل او بآخر، مثلما نقول (ماقبل الحداثة) و (مابعد الحداثة).

No comments: