Sunday 30 October 2011

من هوامشي (4): فراسخ الخلود المهجورة بين موتنا وحيواتنا (والموت جمع بصيغة المفرد).


لقد أربكنا أن مايتفوه به موتى المصادفات يستعصي على فهمنا ، وحيرنا أن الرجل الشاحب و الشاب يصغيان إلى المجادلة الصاخبة بين الحلقات البشرية، هناك، ويهزان رأسيهما موافقين، أو يتذمران، مما يجعلنا نقترب أكثر من أولئك القتلى، فأدركناهم، يتخاصمون في اختيار القضاة.
كانوا على أهبة المرافعة عن ميتاتهم. وكان واحدهم إذا شَهَّدَ الآخر ليدعم كلامه خذله الآخر، مرافعا عن نفسه فقط، حتى انقسمت الحلقة الواحدة على كيانها، فتنافر المجتمعون، مهددين، قبل أن تعقد المحاكمات أو مايشبه محاكماتٍ. ثم تواجهوا خبط عشواء، رافعا كل شخص إلى من يواجهه، في كفيه، الشطايا التي قتلته، وكأنما تجري مقارنات، وحساب فروق في الأوزان. وكان واحدهم إذا أعيته حجته، وبراهينه من الشظايا المعدنية، ضرب الرمل بعقب قدمه، فينبثق الدم ساخنا، وهو يشير، بعد ذلك، بأصابعه إلى ما إنبثق من السائل الأحمر داعما به حججه .
كان على قتلى كثيرين أن ينتسبوا إلى هذه الجهة مرة، أو إلى تلك الجهة كرة أخرى، بحسب ما يترجح من كفتي الميزان. أي تحديدا، ما من غلبة إلا للموت. أما انتصار الأحياء فمؤجل بنعمة الإرث الهائل من غدٍ مهزوم سيلي غده المهزوم في تعاقب هندسي حتى يومكم هذا ، وذاك.


من وحي "أرواح هندسية" لسليم بركات

No comments: