Sunday 11 October 2009

المعرفة و القوة : الخارطة الثقافية


إن الخارطة الثقافية العربية في الفترة الأخيرة ، ولدى تعاملها مع ثقافة الآخر ، يمكننا القول أنها تنقسم بحسب مفردات ذلك التعاطي إلى:

1. تيار متماهي مع كونية ثقافة الآخر – الغرب ، لا يملك بنية نقدية عقلية موضوعية تميزه عدا عن كونه إستمرارية وتبعية ثقافية وفكرية للآخر ، فما فعله الآخر يجب أن نفعله ، وما أنتجه يجب أن ننتجه وما آمن به يجب أن نؤمن به ، وبالرغم من تعاظم قاعدة ذلك التيار إجتماعيا و إنتشاره ن إلا أنه لايملك نتاجا فكريا يميزه لذاته عدا عن كونه عملية بسترة فكرية أو بالأصح لا يعدو أن يكون مجرد عملية ترجمة ، كما أننا لايمكننا أن ننفي عنه كونه حالة إنفعالية طبيعية للمشهد المهزوم والمفلس سياسيا و ثقافيا وإجتماعيا وحقوقيا وحتى تاريخيا، تلك الحالة الناقمة على الماضي والحاضر، الداعية لإلصاق المستقبل بالآخر ، وتلك الحالة أيضا وإن كانت فكرية فهي لا تعد خروجا عن ثقافة الإستهلاك والصورة كما يدعي أصحابها.
فذلك التيار يمثل إستسلاما سهلا أمام سلطة الحداثة الثقافية والفكرية الغربية ، و التخلي عن الكثير من عناصر التكوين الثقافي والهوية الحضارية.

2. التيار الثاني يمثل حالة الرفض والتقوقع القصوى على الأصالة – وفي لفظ أدق الأصولية - ، في صورة بالغة الإدعاء و النرجسية تمثل إمتدادا لذكريات تاريخية بعدت عن أرض الواقع.
يدعي هذا التيار أن الفكر العربي – والإسلامي تباعا- في غنى عن أي مصدر إنساني آخر للتفاعل ، فلا فضل –في نظره – للثقافة الغربية على العربية سوى بما تمده بها من عتاد مادي أعمى ، ولكأن ذلك العتاد العلمي المادي لم يأت نتاجا عن تطور ثقافي.
فهذا التيار على عكس سابقه يرفض كونية الثقافة الغربية ، ويشدد على مقولة الخصوصية الثقافية و الإختلاف حد فوق الحدود الفصل فوق الحدود الإنسانية ، مما يخلق حسا كاذبا بالعليائية و الأفضلية ، فهو لا يعترف بثقافة الآخر سوى كعدو طامح للسيطرة في إطار الكثير من الصور منها نظرية المؤامرة ، والإستحواذ على دور الضحية وما تسبغه من صبغة البراءة.
وذلك التيار الرافض إنما يفرض على نفسه حرمانا قاتلا وعزلة عن تسلسل التطور الفكري الإنساني المعرفي ، لذا فهو الحالة الأشد إفلاسا فكريا . ن وثقافيا، لذا فمن الطبيعي أن يلجأ الكثيرون من أعلام ذلك التيار إلى الإدلاء بدلوهم في كل المجالات بداية من السياسة و الإقتصاد مرورا بالفنون وصولا إلى اللغويات والعلوم الحياتية ، فقط لتوظيف أبجديات الرفض وديباجة المؤامرة.

3. (تيار الثقافة النقدية) وهو التيار الثالث على خريطة الحياة الثقافية في عالمنا العربي ، وهو تيار قائم على الإنفتاح على الآخر و إستيعابه وإمتصاص نتاجه ومن ثم تفنيده وتنقيحه ، بمعنى أن لا يتماهى ملتصقا بثقافة الآخر نتيجة لحالة إنفعالية رافضة وناقمة بغض النظر عن خواصها وقابليتها للتطبيق بحسب تفرد كل مجتمع وثقافته وهويته ،وفي نفس الوقت هولا يرفض الآخر جملة وتفصيلا وينغلق على نفسه .
وما يمكن ملاحظته أن هذا التيار إنما يعاني حالة من الرفض والهجوم من التيارين السابقين ، الأول بتهمة الرجعية و التخلف ، و الثاني بتهمة التغريب ، في حين أن ثقافة النقد هي الثقافة الأصح و الأكثر إنتاجية من ثقافة لا تتعدى كونها تطورا بكتيريا يعيش متطفلا على مضيفه لا يتميز ولا يتطور لذاته وبقاؤه معلق ببقاء مضيفه ، و أخرى هي حالة ديناصورية تتجه نحو الإنقراض مالم تتطور.

No comments: