Monday 25 January 2010

القوة و المعرفة : العولمة (4): الثقافة و الهوية


تستند العولمة لدى الحديث عن الجانب الثقافي منها – وهو الأهم حضاريا- على ما يسمى بالثقافة العالمية ، والتي ساعد ومهد لها مجتمع الإنترنت ووسائل الإتصالات الحديثة تاني جعلت من هذا العالم قرية بالغة الصغر، وما يحدث في غربها يعلمه من في شرقها لحظة حدوثة ، بل أن ذلك المجتمع مهد لمن يريد أن يبحث عن التفاصيل المتعلقة بأي شخص أي يبحث عنه في محركات بحث أو في مواقع إجتماعية أخرى.
وعموما لدى الحديث عن الثقافة و الهوية ، وإسقاطات العولمة عليهما توجب علينا أن نضع نقطة بداية وهي التعريف :
فالثقافة كما عرفها الدكتور محمد عابد الجابري هي ذلك المركب المتجانس من الذكريات و الصور والقيم و الرموز والتعبيرات و الإبداعات الناتجة عن التعامل مع الطبيعة ومع المجتمع الإنساني .
وأضيف أنا ههنا للتعريف أعلاه أن ذلك المركب أو النتاج هو الذي يحتفظ لجماعة بشرية بجزء كبير من هويتها الحضارية ، المؤكدة لحضورها التاريخي وذلك في إطار ما تشهده من ديناميكية أولا داخلية بين الأنا و الذات وثانيا وبالتوازي ديناميكية خارجية بين الأنا و الآخر .

لذا فمن المنطقي أن نجد في النهاية أنه كما أن للثقافة ألف تعريف و تعريف إلا أنها جميعا تتفق في :

1. في الثقافة ماهو خاص وماهو مشترك إنسانيا.
2. في الثقافة ماهو ثابت وماهو متغير.
3. للثقافة علاقة هوية وكينونة باللغة.
4. الثقافة قابلة للطرق و السحب إن صح التعبير.
5. الثقافة هي التعبير الأمثل عن النظرة المجتمعية للعالم و الكون لأمة ما بعينها في الزمان و المكان المحددين ، وتلك النظرة غير ثابتة.

أما الهوية فهي ليست كلا من ثقافة ، جنسية، أرض ، تاريخ ، جغرافيا ، لغة ، دين ، عرق ، طائفة ، إثنية ، أو أيا كان ، بل هي حالة من التماهي بكل هؤلاء في آن ، وليس إحتواءا ، لأن الإحتواء يستلزم بوجه أو بآخر إحدى صور الثبات في حين أن الهوية هي مماهاة ديناميكية بالتراكم لا تعود لنقطة الصفر ابدا .
وهذا مايغفل عنه الكثيرون أن الهوية متى إنغلقت أو ثبتت على عنصر واحد فقط اصبحت مدمرة لذاتها وللآخر ، فيما يفسر لنا الكثير من الأحداث التاريخية ، وسأعود لتلك النقطة في مقال لاحق.

ومن هنا يمكننا القول أن الثقافة و الهوية لا يكتملان ولا يتكونان بعيدا عن فكرة المجتمع الإنساني أي بعيدا عن الآخر ، لذا و بالرجوع للخواص المذكورة للثقافة ، يمكننا القول أن لذلك الآخر دوره في :

1.الإنطلاق من نقاط الإشتراك للإختلاف و التمايز بين الهويات ثقافيا ومنها حضاريا / إي إحداث تغيرات ثقافية إنطلاقا من الثبات للتغير.
2. إحداث حركة تطوير لغوية عن تطريق توسيع أبجديات التواصل وأصواتها ، فاللغة كما ذهب جان جاك روسو في مقالته: مبحث في أصل اللغات تتطور مع تطور الحضارات ، وهذا مايفسر إرتباط سطوة لغة ما بسطوة حضارتها والعكس كذلك.
3.إعادة تشكيل الثقافة والنمو بها طرقا وسحبا كنتاج طبيعي عن التفاعل مع الآخر في المجتمع و التفاعل مع الكون.
4. تغيير النظرة المجتمعية للعالم و الكون ، بمنحى لا يعرف الثبات.

ومن هنا نجد أن هويتنا الثقافية تتشكل وتنمو بقدر تفاعلنا مع ذواتنا ومع الآخر في ديناميكية علاقة لا تنتهي هي : الأنا و الذات و الأنا و الآخر.

لذا وجب علينا التوقف لدى المنتج الثقافي الذي نتعاطاه مع الآخر من حيث الكيف و الكم وأسلوب التواصل كاللغة و الخطاب ومساحة التواصل من إرسال و إستقبال ، كل ذلك مع موازنتنا معرفيا بين الإنفتاح الثقافي على الآخر وثقافته ومدى إحتوائنا لثقافتنا و إرثنا وذاتنا التاريخية وخصوصيتنا الحضارية بعيدا عن الإنغلاق عليها ـ تحت أي دعوة أو تلاعب لفظي يصل إلى تسميتها بالمرجعية المقدسة .
كما يجب علينا التنبه إلى الفرق الخادع مابين لفظ (العولمة) الثقافية حضاريا كعملية إقتصادية الطابع تقتحم الخصوصيات الثقافية و الحضارية لتحتويها وتحولها لمنتج ثقافي إستهلاكي بقاؤه على الساحة الحضارية مرهون بنسب المشاهدة المرتفعة والدخل الناتج ونسبة الإعلانات التجارية .
ولفظ حضاري آخر هو : (العالمية) الثقافية التي لا تقتحم خصوصيات الثقافات وتنتطلق من قاعدة التشابه ، وتعرضها كما غيرها على مستوى أفقي بعيدا عن ثقافة ال
Best seller
عرضا يقدم الثقافة الأخرى كجزء من خصوصية هوية الآخر ، الآخر المسهم في علاقة : الأنا و الآخر.

ولأننا نحيا في عصر المعرفة السريعة بإمتياز ، عصر المعلومة الأثيرية ، وجب علينا التوقف لدى قنوات التواصل والتي يجب ألا نغفل التالي لدى تناولها:

1. هناك ما يقارب ال 2000 قمر صناعي يدور حول كوكب الأرض للقارة الأمريكية الشمالية منهم نصيب الأسد.
2. في العالم يوجد أربع وكالات عالمية للأخبار عبرها ينتقل الخبر:
- الأسوشيتيد برس الأمريكية
Associated Press.
- يونايتد برس الأمريكية.
United Press.
- وكالة رويتيرز البريطانية.
Reuters.
- فرانس برس الفرنسية
France Press

وبقراءة بسيطة لعالم الإنترنت ومحركات البحث فيه أمكننا معرفة تلك القنوات التي تصل من خلالها المعلومة إلينا ، ناهيك طبعا عن أن جميع المجتمعات المعرفية الإجتماعية المعروفة في عالم الإنترنت تقع على نفس الشاطيء.

اللغة (وباختصار):
كما ذكر روسو هي خط موازي للتطور الحضاري ، لأن اللغة تزداد غنى وديناميكية بزيادة الحاجة عن التعبير عن الذات في عملية التفاعل مع الأنا و الذات.
ومما لاشك فيه أن الحاضر بقوة سياسيا وثقافيا و إقتصاديا ومعرفيا هو الأقدر على فرض لغته ، إلا أن ذلك لا يعفي الطرف الأضعف أو الأقل قوة من واجب الذود عن لغته/حضارته ، لأن اللغة تمثل مفتاح التواصل و التعاطي حضاريا لأنها ببساطة الأكثر تعبيرا وإحتواءا وإنعكاسا للخصوصيات الحضارية و الثقافية و الهوياتية . ومن هذا المنطلق خرجت لدينا على الساحة العالمية نوافذ في عالم الإنترنت و الفضاء الإتصالي مثل مشروع أوروبا جارتنا الموجه للعالم العربي وبالذات دول ساحل البحر الأبيض المتوسط .
ونافذة أخرى هي القناة الفضائية الروسية المتحدثة باللغة العربية ، وكلها نوافذ بقدر ما تستحق الإحترام بقدر ما تعري سؤالا حاضرا وبقوة:
أين نحن؟؟؟

وبالعودة للعلاقة اللغوية بيننا وبين الآخر وجب علينا إيراد الملاحظات التالية:

1. 88 % من معطيات الإنترنت يتم باللغة الإنجليزية.
2. 75 % من أجهزة الحاسب الآلي تمت تصنيعها باللغة الإنكليزية.
3. 60 % من البث التلفزيوني لمشاهد العالم و أحداثه هي منتجات أمريكية.

ولكي لا تفهم أطروحتي عن العولمة بأنها طرح لنظرية المؤامرة سأورد مثالا صغيرا يوضح أن سباق التفوق الحضاري لا علاقة له سوى بالرغبة في سمو الذات الحضارية بعيدا عن هوية الآخر المتأخر أيا كان دينه وإثنيته وهويته وحتى تاريخه الذي لا يستطيع إستقراؤه في الغالب ويعلق في إنشائية الخطاب وتفصيله بحسب مقاسات الآخر شخصانيا وليس فكريا أو حضاريا .
فإفريقيا بتعدد أديناها السماوية والوثنية ولغاتها وحضاراتها و إنتماءاتها لا تمثل أكثر من 2% من حركة إنتاج الكتب عالميا.
نظرية المؤامرة التي يسعد لها الكثيرون لأنها تطبب الكثير من جراحهم التي أحدثوها لأنفسهم بأنفسهم ، وتسبغ عليهم دور الضحية والشهادة بأي مرجعية كانت وإن كان أكثرها حضورا هي المرجعية الدينية التي أتت علينا بقميص عثمان الذي جعل البعض يلغي جميع هوياتنا ويأدلج كل شيء حتى الله بعد العقل والإنسانية وحتى التاريخ.
بل إنني أرى أن أطروحتي هي نقدا لكل الخدرين بنوسطالجيا نظرية المؤامرة أيا كانوا و أينما كانوا ، فإذا كان الآخر يطرق كل الأبواب بعيدا عمن ورائها نائما ، فذلك لا يعطي لذلك النائم إذا ما إستيقظ فزعا حق التشاكي وإستحواذ البراءة أيا كان .

أعتذر عن خروجي عن العرض ، وبالعودة ثانية للغة :

- الدبلجة :
لحركة الدبلجة تأثيرها القوي في ثقافتنا المتراكمة ، لأنها تتناول الفضاء التلفزيوني و السينمائي وهو صاحب الشريحة الأعرض تعاطيا في عصر الإستهلاك.
إلا أن تلك الدبلجة لا تتم من لغة لأخرى بل من لغة للهجة ، مما يعمق الفروقات اللهجوية بين الشعوب على حساب الإجتماع اللغوي .
وسيتساءل سائل عن الفن التمثيلي وعلاقة اللغة بخصوصية المجتمع المقدم في ذلك الفن فسيكون ردي أن الفن متى كان معبرا عن مجتمع ما عربي فأهلا باللهجة المحلية لذلك المجتمع لما في ذلك من كونها معبرة عن خصوصياته وتقاطعاتها جزئيا في الجذور مع الكثير من مجتمعاتنا العربية ، ولما في ذلك أيضا من كسر حواجز اللغة بين أبناء الشعوب العربية الواحدة
إلا أن الدبلجة –كأداة تقديم- عندما تصبح من لغة غريبة تماما كالهندية والفارسية والإنجليزية و الفرنسية والألمانية والإسبانية وحتى التركية* ، فلا يجب أن تتم الدبلجة منها لللهجة الخليجية مثلا أو المصرية أو اللبنانية ، لأنه وببساطة المقابل لتلك اللغة أيا كانت هو اللغة وليس اللهجة.

- الكتابات الفكرية و الأدبية و الثقافية :
من الملاحظ على الساحة الثقافية الحالية ظهور الكثير من المنتجات الفكرية والأدبيات العامية ، والتي لايمكن بحال من اللأحوال إنكارها لا الآن ولا أبدا ، ولكن سطوة تلك الأدبيات أولا ومن ثم طرقها لمجالات معينة بذاتها مثل الفكر و الفلسفة و النقد وعلم الأديان و الإجتماع السياسي ، إنما هي ظواهر لا يمكن إغفالها أو تجاهل مسبباتها والتي أولا تدل على إفتقار اللغة العربية لسطوتها بين الذات و الأنا ، ليصبح التعامل باللهجات العامية في تلك المجالات مبررا بكل قصورها وميوعة ألفاظها وسقطاتها الفكرية التي لن تحمي جودة الخطاب و المادة المطروحة من تلاعب أو تقصير فكري أو تعبيري.

- الترجمة :
و الحديث عن الترجمة يطول بما لا يتسع له المقال ، إلا أن الترجمة في سياق التفاعل الحضاري على مدى التاريخ والذي أوضح لنا أن حركتها كانت دوما من اللغة المتحضرة أو المتطورة إلى تلك الأقل ، لما في ذلك من من اللحاق بالركب الحضاري.
فسر ذلك الكثير من شواهد التاريخ حين ترجمت الكثير من كتب العلوم و الفلسفة و الطب و الكيمياء وغيرها من اللغة العربية إلى اللاتينية ، يكفي من ذلك للذكر عدد الترجمات التي فاقت الثلاثمائة في قرنين من الزمان. مما جعل الكثير من الحضارت الأوروبية التي قامت على أحداث إقصائية كمحاكم التفتيش ليست بالقادرة على التخلص من الإرث العربي للمعرفة مهما كانت الوسائل ، يكفي لذلك ذكر أن ملابس ملكة إسبانيا بعد سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس كانت مطرزة بحروف عربية ، لأنها صيغت بأيد عربية.

أين نحن الآن من حركة الترجمة في ظل سطوة اللغة الإنجليزية (ليس وحدها)؟؟؟
أين نحن منها وأسبانيا وحدها تترجم ما يفوق حجم مايترجمه عالمنا العربي و الإسلامي المخدر كاملا؟ ناهيك عن جودة عملية الترجمة تلك وإفتقارها للموضوعية و الأكاديمية و الرقابة الحرفية ، الذي يجعلها عرضة لهوى مترجمها.


- الرقابة:
مابين كتب ممنوعة رقابيا وإعفاءات مشروطة وموافقات جزئية تظل الرقابة بقدر ما هي منهج نظامي رسمي ، إلا أن اصلها الفردي و الإنساني الذي يوجد له الكثيرين مبررات تحت مسمى الدين أو الأخلاق أو الوطن ، يجعل من الساحة الفكرية في اوطاننا سجنا كبيرا كلنا فيه سجانون وسجناء ، نحتاج صنما أكبر ليوافقك على مانتعاطاه فكريا فيقبله أو لايوافق فيرفضه ، ونحن نتبع فقط ،لدرجة أوصلتنا بالتتابع لتجاهل الفكرة في حد ذاتها وتقييد حريتها ، و التي هي حق مكفول و أصيل إنسانيا تقف ضد الصنم أيا كان. :

http://timeofwhitehorses.blogspot.com/2009/08/blog-post_13.html
و
http://timeofwhitehorses.blogspot.com/2009/08/blog-post_20.html


- ثقافة الصورة :
في عصر تحولت فيه كل صنوف المعلومات و المعارف إلى منتجات إقتصادية تدر عائدا ماديا ظهر ما أسميه بثقافة الصورة و التي نتجت من حالة الإكتمال الفني و البهرجة والمبالغات الفنية الإستعراضية في الصور جعلت منها منتجا شهيا لايقاوم ، وفي نفس الوقت ثقافة التيك أواي.
فالصورة هي المعبر الأول و الأسرع عن المعلومة ، لذا فاللجوء لحرفية إستعراضية في الإعلام جعل منها أسرع رسالة و أقلها مقاومة ، لذا نلاحظ سطوة الإقتصاد و الرسائل المبطنة فيما يعرف ب الراعي الرسمي ، و الذي يظهر دائما لدى المنتج الصوري غن جاز القول أكثر من غيره من صنوف المنتجات المعرفية.
ومن مشاهد ثقافة الصورة أيضا ثقافة المقاطع ، أي في لفظ آخر ومقاربة أخرى ثقافة الإقتباس اللفظي أو الصوري في بعض الأحيان . فيصبح أي توجه فكري او معرفي أ, ثقافي معلبا في إقتباسات مقطوعة أو موتورة عن السياق أو الجسد الكلي مما يفتح لها باب التعرض بسهولة للتوجيه ، وذلك بعيدا عن الحجم الثقافي و الكلي لها ، ومشاهد ذلك كثيرة ليس أقلها إختصار التوجهات الفكرية في مقطع فيديو من دقيقتين أو أقل أو أكثر ، هو كل مايحتاجه البعض في زمن السرعة لإصدار الحكم الخالي منطقيا والغير موضوعي على ذلك التوجه كله.



وللحديث بقية

1 comment:

Khaled Khalil said...
This comment has been removed by the author.