Sunday 12 September 2010

في نقد النوسطالجيا (4) : في الفكر (3): العقل السجالي مشهد وجودي

تغرق الساحة الفكرية و الثقافية العربية في جدلية قاربت حدود "الجدلية الصنمية" و أزليتها ، إن لم تصبح كذلك بعد ، تلك هي جدلية العلاقة بين الحداثة و الأصالة ، و التي إنتهت إلى نتيجتين ظاهريتين تتبديان على سطح –وفقط سطح- المشهد العام :

1.شق المجتمع الثقافي و الفكري و تباعا الجمهوري إلى فريقين إثنين ، تجمعها علاقة وجودية / صراعية لا غير ، وتلك هي الصورة الغير محبذة من ثنائية العلاقة : الأنا و الآخر، وذلك لأنها تختصر الآخر والعلاقة به في صورة صراع بقاء ، وبما تستدعيه كلمة "بقاء" يتضح لنا أن فاعلية أي طرف تتبدى من تضاده مع الآخر ، فلا حداثة –بالأصل اللغوي – إلا بتحديث القديم ، ولا أصالة إلا بإنفصالها عن الحديث او المعاصر ، لذا فالعلاقة الصراعية بين الطرفين هي علاقة وجودية متى غاب طرف فقد الآخر حيزه الوجودي ، كل ذلك أسس للعقل السجالي كمنهج فكري ، وهو من الإستاتيكية أنه لا ينتج ولا بيدع لغياب الملافحة و التلاقي ، ويكتفي بالإجترار البيولوجي للتاريخ و الواقع – بالتوازي- سلاحا للبقاء.
2.إختصار مجمل المشهد الثقافي العربي في حالة الإنشقاق تلك ، و الحكم المختزل بغياب أي فرصة للتلاقي و من ثم الإنتاج ، وإن كان ذلك الإختزال ليس بخاف عن أي طرف كان (الحداثة بحكم أصل العلوم الفلسفية و الحضارة الشرقية ، و الأصالة بحكم منبت أدوات التواصل و الحضارة الإنسانية التقنية و المادية)، ولكن الإنجراف نحو معالجة ذلك الإختصار المجحف  ينسف الأسس الوجودية للفرق المتصارعة بإسم كلا الظاهرتين الإنسانيتين وتياراتهم المختلفة .

من المقولات التي تؤسس لحالة الصراع تلك و التي تؤجج لها والتي ينكرها أصحابها تارة و أحيانا ينادون بها ، كان القول بحتمية الصراع بين الحداثة و الإسلام و إطلاقه صراعا وجوديا ، مما يؤسس للقول بأن العلاقة بينهم لا و لن تقبل اي نوع من المهادنات أو التلاقي و التلافح بغض النظر عن مدى صحة ذلك القول ، كما أنها تلغي وتنكر أي مصداقية لأي محاولة لمد الجسور بإعتبارها تمردا أو إنهزاما.
وفي هذه المواجهة تنحو الدعوة للأصالة إلى توحيد نفسها مع الدين ، وفي المقابل تميل الحداثة لمطابقة ذاتها مع العلم ، وطبعا تنتج لنا تلك الثنائية الإتحادية المتقابلة التالي :

1.تطابق الهوية مع ذاتية الأنا الوجودية الأكثر قداسة وهي الدين (منبع القيمة الروحانية)، وبذلك ينخفض التراث إلى جانبه الديني .
2.تتطابق الحداثة مع الحضارة المادية وتمظهراتها ، فتنخفض الالمدنية إلى طابعها التقني الصلب .
وما يؤدي إليه ذلك من شيطنة الدولة المدنية الحديثة ورفضها جهويا وأيديولوجيا بدعوى إعتبارها بناءا ماديا تقنيا لايؤخذ إلا بالكلية ولا يرفض إلا بالكلية قافزين فوق ديناميكية التخليق بتاعا اإختلاف الخصوصيات الحضارية ، والفكر الشمولي الرفضوي هو نتيجة جدب عقلية التفكيك و إعادة التركيب والتخليق .
ويتبدى لنا ذلك واضحا خلال العديد من حوارات الفكر العربي :
(رسالة التوحيد والإسلام والنصرانية مع العلم و المدنية ) لمحمد عبده ، و (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم) لشكيب أرسلان ، وغيرهم.

إن ذلك الإستقطاب المزدوج: رفض الحداثة –كمنتج غربي- بالجملة لتأكيد الذات ، وبالمقابل رفض الذات لتأكيد الحضارة و القابلية للإنصهار فيها ، جعل من "كل التركيبات النظرية العربية منذ النهضة إلى اليوم من إصلاحية دينية إلى قومية عربية ، لم تكن إلا محاولات للتقريب بينهما وتجاوزهما وإعادة عرضهما بشكل جديد على ضوء المعطيات الخاصة بكل حقبة ، وليس الإختلاف القائم داخل هذه الأيديولوجيات السياسية التوفيقية إلا نتيجة تغليب أحد العناصر على الأخرى" 1*.
وإن كانت الحداثة الغربية كمنتج جهوي يستلزم الرفض الأيديولوجي لإثبات الوجود ، هي نتاج بلورة منظومة فكرية سياسية تقوم على مفاهيم : الحرية ]فولتيير / كانط[ و التسامح ] لوك[ و المساواة ]روسو[ ، فكيف يمكن ان تخفى عملية الأدلجة الزائفة لتلك الأسس  - الحداثية للبعض والإنسانية في الأصل – وربطها الزائف بالنسق الغربي وكانها وليدة تلك الحضارة فقط؟؟ ولا تتأتى في أي صورة أخرى غير تلك ؟ ذلك من ناحية ، وأما من الأخرى فيخطيء من يعتقد بوجود إمكانية لخلق ثقافة إجتماعية – سياسية ذات أساس علمي –مادي محض ، منزوع عنها كل المطالب الروحية و التأملية و الأيديولوجية ، لتنتهي بها تطورا فيزيولوجيا ، أو كما قدمها كانط في نقده للعقل :
هل يوجد معرفة من النوع المستقل عن التجربة أو حتى الإنطباعات الحسية ؟*2

لذا فكما أنه من الخطأ نقد المعرفة الطبيعية و الفيزيائية بمنطق ديني / ثيولوجي / فقهي / لاهوتي ، فمن الخطأ كذلك نقد الفكر الديني من منطق البحث الطبيعي / المادي .


* العقل السجالي :
إن للرفض الجهوي كإثبات وجودي ، ولحالة الصدام المبني عليها و التي تؤسس لها علاقة " الإسلام لا يقبل الحداثة" ، تأثيرا على الثقافة العربية – التي يمثل الإسلام روحها- وكذلك الوعي العربي ، إذ تتبدى الكثير من آثاره الإنفصامية ، على خطابات النوسطالجيا وواقعهم ، وبالتالي تأثيرهم ، جاعلا من الكشف عن أحقية الإدعاء النوسطالجي بأن إنكار الحداثة هو شرط لتأكيد الذات – المختصرة في الدين- يتماهى في الأهمية مع الكشف – المقابل- عن تهافت القول بأن رفض الذات و إنكارها هو شرط قبول الحداثة و توطينها و الإندماج في الركب الحضاري الإنساني.
إلا أن قولا كالسابق ، لايخفى مايؤسس له من صورة القول و القول المقابل، وليس حتى الفعل ورد الفعل ، لمايمثلانه من ظواهر صوتية إستاتيكية كما الكهرباء الساكنة، وهو اساس العقل السجالي ، وهو العقل الذي انفصل عن الواقع ليصبح الحوار فيه بين الفكر و الفكر ، و ليس الالفكر و الواقع ، بكل ما تقتضيه تلك المواجهة من استحواذات طوباوية تصادر على غيرها  وتقفز عن الخصوصيات الحضارية و الظرفية الزمانية و المكانية للواقع المعاش ، و التي تمثل خط الفصل بين الفكرة و الواقع.
إن للعلاقة الرفضوية للنوسطالجيا مع أي قيمة حداثية على اساس جهوي ايديولوجي – وليس موضوعي- ، تجعل من التيارات الفكرية ومايقابلها ، أسيرة حالة الإستقطاب ، المنفصل عن الواقع ، مما يضعف تاثيراتها في المشهد الحياتي أو يؤدي لراديكاليته المفرطة ، لأن الجهد الأساسي حينها لذلك العقل السجالي ، ليس لخلق مساحات اللقاء و التلافح و الحوار والإختلاف ، إنما في مواجهة /الصراع مع التيار المختلف أيا كان ، تقاطعا ما أم لم يتقاطعا *3، وليس في مواجهة الواقع إنطلاقا من نقاط التلاقي والإتفاق بهدف التغيير، لذا تتبدى لهجة الاستنفار الأيديولوجي في الخطاب ، والتي تزداد في حال الأزمات ، ولكن أوليس الصدام و الرفض المطلق هو أزمة؟؟ أزمة إحتواء وحوار؟؟ وبالذات عندما تفرضها موازيين القوى؟ أوليست الحداثة – في كل تجلياتها- تهاجم أول ما تهاجم "الأصل التوحيدي" أو هكذا قيل؟
"لكن ما الغريب في الأمر ؟ أليس هذا هو حال الثقافة الشعبية في أي مكان عندما ترسم صورة عن الآخر في فترات الحروب ]صراع بقاء[ مثلا؟ مالغريب في التعميم السريع ، أو إسقاط المخاوف الدفينة و النقائض التي يخشاها المجموع على صورة الآخر ؟ ]كالدياثة و العمالة و انعدام الخلق و الجهل و الأدلجة المقابلة و المادية وغيرها من التوصيفات[ لا جديد . نعرف هذه الظاهرة العميقة الجذور في ثقافات كافة الشعوب ونراها تزداد قوة في مراحل الأزمات "*4  كما " تقيم هذه العقلية إدعاءاتها على اعتبار أن الجهل والغرائز والمعلومات الخاطئة والرغبة في التعميم السريع ، و الخوف من المجهول ، معطيات ثقافية جماهيرية قائمة وصلبة ، يتم التعامل معها ببساطة وتقبل من دون نقد ، خصوصا عند تشكيل صورة الآخر أو صورة المختلف عنا أو الغريب ]فما بالك ذاك المتصادم الوجودي مع الدين و أصله التوحيدي؟[ أما إذا كان الآخر هو في الوقت ذاته هو العدو فعندها عمم ولاحرج وحدث ولا حرج"*5 .
لذا سرعان ماينصب خطابيوا النوسطالجيا حينها أنفسهم متحدثين رسميين عن المجموع أو الأغلبية الصامتة مقدمين انفسهم بإسم (نحن) لا للتعظيم بقدر ما هو حضورا لقوة المجموع أو الأغلبية وبسطوة الأسئلة الإستنكارية.
 ومن مشاهد ذلك الاستنفار الأيديولوجي بإسم ال(نحن)  :

1.تشريع "العنف" دفاعا عن الأيديولوجيا/الثيولوجيا وليس الفكر :
 بداية من التكفير بكل صوره للتنميط و الأحكام المسبقة حتى التهكم و الإستهزاء و الشخصنة  و الاتهام بالجهالة و التفتيش في القلوب أو حتى التصنيف الرأسي للبشر، كل ذلك ابتعادا عن الواقع و انفصالا عنه و اتحادا بشخوص ليس لهم من الديمومة ما للأفكار.

2. إزدواجية التعامي و التصيد : إحدى صور الإنفصام :
التعامي عن جرائم ال(نحن) في حق ال(أنتم) أيا كان ، و التصيد لأخطاء ال(أنتم) وتجريمها وتغليظها ، وليست مشاهد إدعاء النوسطالجيا في بلادنا القهر و الظلم الطائفي إلا مشاهد كوميدية سوداء ، تصل حد التقمص السينيمائي المزمن ، منتهية بالواقع لحالة من التشكك الدائم ما بين الصواب و الخطأ من ناحية ، ومابين الإبتزاز العاطفي (داخليا وخارجيا)، و الذي أنتج في النهاية ردا لفعل ، للأسف إن لم يصبح مساويا بعد في المقدار، فإنه على الأقل من نفس الجنس ، لتسقط في النهاية حينها أغلب الحدود الفاصلة – أو تتماهى مع السقوط- بين الفاعل و المفعول به ، لتنتهي بالجميع شياطين بلا ملائكة.

3. منهجة الرفض الجهوي و التأسيس العلمي له :
ويتم ذلك بالإعتماد على الإجترار للتاريخ لأغراض فيزيولوجية بحتة لضمان البقاء الجمعي  في صورته الحيوية ، لا أكثر لا أقل منعا للتذرر و الفردانية ، وحفاظا على الرابط الأيدديولوجي الغير منتج في الكثير من الأحين ، بإسباغ شرعية علمية عليه ، بتوظيف عبارات من الميوعة الفكرية بظرفية الزمان و المكان الآنيين للواقع وبراغماتيته ،تأسس جميعها لحالات إنفصال الواقع عن المطلوب –وهو المفصول اصلا - ،  لدرجة أبعد من أن يتم تداركها ، بتحويل الأيديولوجيا إلى ثيولوجيا وقتل أي لقاء ، وذلك لأن "نقض الأساس المنهجي و الفكري و الفلسفي –لانقده- مقدمة اساسية في مراجعة معظم الدراسات حول الإسلام" *6.

4.الأدلجة الجزئية انتقائيا *7:
للكثير من المنتجات الثقافية والتي يتم في الأغلب الأعم إقتطاعها عن سياقها الكلي لتعليبها ترسا أيديولوجيا ، ويتم تتريسها كميا لا نوعيا ضمن ديباجة خطابية ذرائعية .

إن أحد أهم المنهجيات التي تقوم عليها عقلية النوسطالجيا – ورد فعلها- ، هي "الخلط المنهجي" ، أي أنه يخلط بين الأيديولوجيا و الثقافة ، أويخفض الثقافة إلى جملة الأفكار و الأعراف ، ولايميز بينها كنسق إجتماعي ، وبين المذاهب و الأيديولوجيات و الأفكار المتناقضة التي تعيش فيها وتتغذى منها ، ومنهم من يرفع الأيديولوجيا ، أو إحدى الأيديولوجيات إلى رتبة الثقافة ، فيستنتج من تناقضها تناقض ثقافة العرب وتهافتها" *8.
ومن هنا كان رفضنا لصيغة "العقل الإسلامي"*9 عقلا تاريخيا ، وطرح بديل له : "العقل السائد إسلاميا" ، و الإعتراف – كذلك – ب"الفن الإسلامي" فنا "إسلاميا" ولكنه ليس فنا "دينيا" *10 ،  حيث ان الإرتقاء ب"العقل الأيديولوجي" فيتحول  "ثيولوجيا"، يحول "العقل" حينها "نقلا"  ، وأسوأ  مايصيب التفكير الفلسفي هو إرجاع "المفهوم" إلى صورة ثابتة وراسخة  وتكاد تكون راسخة أيديولوجيا –بكل ماتحمله الأيديولوجيا من الامصداقية فكرية ونسبية النسبية - ، يجترها القياس التاريخي الإنتقائي ، فينحط حينها "العقل" إلى مفهوم "الدماغ" بالمنطق الفيزيولوجي الحيوي البحت و الذي لا يمكنه القياس خارج الجسد البشري مصدر الحياة.

العلاقة مع الواقع :
يتصل العقل السجالي مع الواقع من خلال نقطتين إثنتين :
1.الرفض الجهوي الشمولي ، الذي يرى في الواقع كتلة واحدة صلبة ومغلقة ، لا يمكن التعامل معها إلا بالرفض – المسوغ منهجيا مسبقا – بكل الفاظه : النقض – التكفير – المادية – المزايدة – العمالة وغيرها  ومن ثم إستدعى التبديل ، إن وجد "البديل" وعادة لا يوجد لغياب القدرة على التفكيك و إعادة التركيب، البديل القادر ليس فقط على الحوار مع الآخر بل على التفاعل مع واقع (الآن – هنا).
2.القياس الإختزالي للواقع ، و الذي غالبا ما يكون إجترارا ماضويا ، لا يعدو إلا أن يكون قياسا مبتورا للماضي – التقليد- ومماهاته المشلولة بالواقع، جاعلا العقل السجالي دائرا في فلكه الخاص و تاريخه الخاص ، مشتطا في الأحكام و الإستنتاجات بلا رقيب موضوعي واقعي.

واسباب إنفصال الفكر عن الواقع حينها :
1.يمكن لقضية ما أن تكون منطقية وصائبة كمتن عضوي واحد تتناسب مقدماتها مع نتائجها ، إلا أن ذلك لا يعني تطابقها مع واقع (الآن – هنا) ، لذا ومن الإدعاء الصحيح بصحة القضية ، يدعي البعض شرعية توجهه وملائمته ، لا لأمانة الطرح الموضوعي الواقعي ، بقدر إسباغ الشرعية على الفكر الأيديولوجي، فيتحول حينها الفكر إلى الأصل ، والواقع إلى الفرع ، الفرع الذي يتوجب عليه التكيف مع مقولات الفكر و التطابق معها ، وعلى الساحة الفكرية تتبدى لدى الكثير من شواهد هذا الفكر المنفصل عن الواقع :

- شعار (الإسلام هو الحل)*11 : وهو على وزن اقدم أحد أقدم الحيل الأيديولوجية وهي (رفع المصاحف على أسنة الرماح) ، طارحة حلا ثيولوجيا لا يمكن لأحد مسائلته ، من دون أن يفتح بابا للمزايدات و الشخصنة والعنف المقدس. وذلك الشعار يأخذ شرعيته من إحدى نقطتين الثيولوجيا و/أو التاريخ ، التاريخ الذي لم يكن ليصبح تاريخا مالم ينفصل عن واقع (الآن – هنا) .
إلا أن ذلك البديل لا يختلف إلا في الإتجاه عن البديل المقابل له وهو طرح : التنازل عن جميع الخصوصيات الحضارية و التاريخية للإلتحاق بركب الحضارة والحداثة.
2.تأثير الثقافة الغربية الحاضر بمنتهى السطوة و القوة و الوضوح في العالم الثالث ، يخلق في ذهن الناس صورا عن الحياة و الذات و المعنى مختلفة تمام الإختلاف عن الواقع المعاش ، وبالنظر للصورة المتواترة عن الحياة متحضرة والشروط الواقعية للوصول إلى ذلك ، يتضح لنا حينها مدى عمق حالة التناقض بينهما ، لتصبح حينها النظرة للمجتمع على إنه متخلف ومتأخر بكل تاريخه و قيمه وثقافته التي يتغنون بها وإغتنى بها تاريخه ، وهي العناصر التي وبعد كل هذا الإجترار الأيديولوجي لم تستطع ان توفر احترام الإنسان وحقه في الإختلاف و التميز بالإختيار.
لذا فالمثالية المفرطة ، وكل تجلياتها الأيديولوجية / الثيولوجية ، و إستحواذاتها و إنعكاساتها ، لا تتعارض مع الواقعية من ناحية ولا تجريبية من الناحية الأخرى أو حتى الذرائعية ، بل تستدعيهما ، لأنه إذا بقيت النظريات و الأفكار حبيسة العنتريات الخطابية ، والفكر المنفصل عن الواقع ، بعيدة عن الواقعية ومن ثم البرغماتية ، جاعلة المسافة بين الآن –هنا و المجتمع الأفضل للأنا و الآخر ، أكبر من أيديولوجيا الخطاب.
في النهاية :
الرؤية التفكيكية الواقعية ، هي التي تنقض العقل السجالي ، وهو مختلف تمام الإختلاف عن التعميم الأيديولوجي القائم على إيجاد وحدة وهمية منطلقة من سحب مفهوم الجزء على الكل بدعوى (بناء المفاهيم) ، ومصدر ذلك التعميم هو النظرة السلبية/النرجسية لجانب أحادي من التاريخ.
لذا فالرفض الجهوي و "إلقاء المسئولية على الإمبريالية أو الغرب بصفة عامة ، وبشكل مجرد ]تعليبي[ دون إظهار ترابط هذا الغرب ]ومنتجاته[ مع قوى و افكار و أنماط وسولك وعمل وممارسة محلية لا يقصد إلا إلى تعميم نزعة سديمية قومية مهمتها الأساسية التغطية على المسئوليات الفكرية و السياسية التي تكمن في قصور المناهج و الوسائل التي اتبعت لمحاربة الغرب و التخلص من سيطرته"*12.

فالتهرب من المسئولية الحضارية والتاريخية له العديد من الصيغ كتعليب الإتهامات والأحكام المبدئية و الرفض الجهوي ، و التي تعفي – أو هكذا يراد لها- من واجب التأمل و التفكر و التمحيص و التفكيك و التركيب ، لينحصر حينها التاريخ - تاريخنا إما عورة كاملة - عورتنا، أو حسنة بهية – حسنتنا ، أو العكس.

by Michel Zavrof

_________________________________________________________________________________________________
الهامش:
1.      إغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – المغرب – ص22
2.      Critique of Pure Reason, Emmanuel  kant, Penguins Classics , p 214
3.      وهذا من أسباب غياب تقنيات ال
Thinking tanks
في الأقطار العربية اللهم إلا تجربة مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت
4.      طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – رياض الريس – بيروت – ص 109
5.      طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – رياض الريس – بيروت – ص108
6.      بناء المفاهيم – مجموعة من الباحثين – دار السلام- القاهرة ص61
7.      تمت الإشارة مسبقا لهذه النقطة بالتفصيل في جزء سابق من السلسلة.
8.      إغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – المغرب – ص48
9.      سيرد تفصيل هذه النقطة في جزء لاحق من السلسلة.
10.  مجلة "وجهات نظر" الشهرية – محمد المهدي - عدد 139 – ص34
11.  الإشارة هاهنا بالعموم و ليست لفريق بعينه ممن يتبنون ذلك الشعار الأيديولوجي وقصره على نموذجهم.
12.  إغتيال العقل – برهان غليون – المركز الثقافي العربي – ص57.

No comments: