Sunday 12 September 2010

المفاوضات المباشرة بين المحاكاة التاريخية و التوحد مع الهزيمة

لا يمكن قراءة حدث مثل "المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية" أولا ، و "المباشرة" ثانيا ، من دون أن تعود الذاكرة السياسية لمشاهد تكررت – ومن الواضح انها ستظل مكررة – في الحياة السياسية العربية بين "المستعمر و المستعمر" أولا، و "الإسرائيلين و الفلسطينين" ثانيا ، ناهيك عن "مباشرية" العلاقة.

- بين المستعمر و المستعمر (التاريخ يعيد نفسه) :
ولنستحضر "تجربة فيصل في دمشق (النموذجية) :
فيصل المنتصر مع الحلفاء، و المؤيد برسائل حسين مكماهون ، المطعون بسايكس – بيكو ووعد بلفور، يفاوض الغرب (فرنسا و بريطانيا) محاولا التحلل من قوة الجيش العربي الفتي ، وعناء ضباطه الوطنيين ، وقيادات أحزابه ، وقرارت المؤتمر السوري المتشددة ، متكئا على دعم موهوم من بريطانيا ، ووعود كاذبة ثبت زيفها ، فإذا به يصبح الأمير الطريد ، الممنوع من السفر و المتوسل لقاء مذلا مع فرنسا ، ويعامل فيه كخاسر بلا تعويض.
يعود فيصل بفتات غير مقبول ، ترفضه القوى السياسية . يفاوض مرة أخرى فتشترط عليه فرنسا تصفية "المخربين (المقاومة) ن فيتصرف بسرعة ، وينفذ التصفية أخوه الأمير علي . ثم تشتد شروط الفرنسيين ، فينذرونه بضرورة تسريح الجيش ، فيفعل ...وتكون النهاية المأساوية و الزلزال الذي اسقط أول دولة عربية مستقلة حر ذات سيادة إلى الأبد" *1
يمكننا رؤية التاريخ يعيد نفسه في كل علاقة بين المستعمر و المستعمر ، وفي الحالة الفلسطينية – الإسرائيلية هي : قوات الإحتلال و الشعب المحتل ، كما يمكن مماهاة درجة "المحاكاة" من قبل الحكومات الإسرائيلية (بمباركة أمريكية) مع الدور الفرنسي ، ودرجة "التوحد" المرضي  ، للطرف العربي مع الهزيمة التاريخية و الحضارية وتراتبية خطواتها.

- بين الإسرائيلين و الفلسطينيين (حيث تعطيل الذاكرة التاريخية و السياسية):
يبدو أن إستمرار منهج (نص العمى) ، البالغ اللابراغماتية ، الذي أسس له الراحل ياسر عرفات في أوسلو ، و الذي عبر عنه قبل ذلك للمفكر العربي إدوارد سعيد في لقاء جمعهما عام 1985 حينما قبض بشده على ركبته قائلا : "إدوارد ، إذا كان هناك شيء وحيد لا أود أن أكونه ، فهو أن أكون مثل الحاج أمين –الحسيني- ، كان على صواب ولكنه توفي منفيا ولم يحقق أي شيء" *2.
 لايمكن أن يخفي حالة اللاتعريف و الامرجعية و اللاشيئية التي اسست لها مرحلة أوسلو ، و التي إستمرت في طابا وواي ريفر وكامب ديفيد وغيرها ، مما أنتج لنا إستراتيجية : (المفاوضات من أجل المفاوضات) و التي إنبثق منها جيل جديد بعنوان : (المفاوضات المباشرة لأجل المفاوضات المباشرة) . والتي لا يمكن الفصل بين مشاهدها ومشاهد العلاقة الكولونيالية السابقة والتي تجسدها عديد الأمثلة ليست حالة (فيصل) إلا إحداها ، إلا أن إيرادها في هذا المتن جاء من باب التوضيح للخاتمة التي ستتطابق في أجزاء وستتمرد في أجزاء أخر حيث :

.أولا :الإستناد على حالة من السراب الذي واكب تغير الإدارة البيضاوية وتمظهراتها الخطابية  البعيدة تماما عن الواقع و الميدان ، و التي لم تكن سوى حالة نشوة باللون الجديد للبيت الأبيض ، و التي سرعان ما تكسرت على صخرة الواقع سواءا فيما يتعلق بمسألة الإستيطان و التجميد الذي كان كنسيم البر و البحر ليس إلا أو حتى خطاب أوباما في (الأيباك) و الذي أشار فيه غلى مجموعة من اللاءات منها : لا لوقف الإستيطان ، لا لتقسيم القدس (العاصمة الموحدة للدولة العبرية) ، ولا لإمتلاك إيران سلاحا نوويا ، ولا للمقاومة.*3
ذلك السراب الذي لا يمكنه أن يعمي العقل العربي – أو على الأقل المفروض ألا يفعل – عن العلاقة العضوية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية و الدولة العبرية.

. ثانيا :تبعات أوسلو و التي أسست منهجيا لعمليات "التنسيق الأمني" بين الفلسطيني و الإسرائيلي ، لتجعل السلطة الفلسطينية في نهاية الأمر " مقاولا من الباطن" *4 ، لصالح المحتل الإسرائيلي ، ليقبض له على "المقاومين" أو بحسب الأبجديات الإستيطانية : "المخربين" *5 .
.
ثالثا: حالة الفرقة و الإنشقاق التي يعاني منها المفاوض الفلسطيني ، بين سلطة محاصرة بأيد عربية وفلسطينية و إسرائيلية ، وسلطة فاقدة الشرعية و الدستورية ، متهافتة على التفاوض المباشر ، قافزة فوق العديد من الحقائق و القوى و الإنتصارات الإقليمية  ، ومتعامية عن أن "خطيئة التفاوض بلا انياب عقابها إنتزاع الأظافر و القلب و الحركة"*6.

.رابعا :التفاوض يتم على أقل من 22% من كامل التراب الفلسطيني ، وعلى دولة منزوعة السلاح و الحدود و السيادة أي أقرب ما تكون لكنتونات إدارية.


إلا أنه من ضمن عديد النقاط التي يتقاطع فيها المحورين السابقين ، وعلى إمتداد تاريخنا العربي ، إلا أن المفاوض الإسرائيلي ، يطرح سابقة لم تمر في التاريخ الإستعماري و الإستيطاني من قبل ، وتلك هي مسألة "يهودية الدولة"، حيث أنه و بالنظر لتشريح المجتمع الإسرائيلي وطبقاته ، التي أوجدتها عمليات التطهير العرقي *7 ، ومن ثم عمليات الهجرة (الترسيب) المتوالية ، تلك الطبقات التي يمكن تشبيه تراتبيتها كطبقات الأرض الجيولوجية ، حيث القاعدة الأولى – بحسب التسلسل- مكونة من السكان العرب – الفلسطينيين الباقين في البلاد بعد حرب 1948 ، وأما اللذين رحلوا منهم فقد إمتلأ الفراغ الذي خلفوه ورائهم بموجات من المهاجرين اليهود ، وتلك الطبقة تقسم بدورها إلى طبقتان روسية سميكة وإثيوبية دقيقة ، ويتخللهما عديد الإثنيات و الأعراق بنسب اقل .
ولأن "الهوية لايمكن أن تتصلب وتنغلق نحو الخارج وأن تكون في الوقت ذاته منفتحة وديموقراطية نحو الداخل "*8 ، فقد شهد المجتمع الإسرائيلي ولا يزال موجات من التغيرات ، حيث "غيرت كل موجة هجرة جديدة مجمل السياق بصورة جوهرية ، وتسببت كل موجة بهزة أرضية إجتماعية ، وبسلسلة من الهزات الأرضية الثانوية ، التي لا تكف عن التأثير في المجتمع الإسرائيلي بقوة متفاوتة ، مانحة أعضاء المجموع  إحساسا إنتقائيا بالتواجد فوق فوهة بركان يهدد بالإنفجار كل لحظة ، قاذفا حممه البركانية التي ستأتي على كل ما هو في الجوار" *9.
وتلك المظاهر التي تسجلها كل هزة أرضية ، آخذة في النمو و التأثير في فيسفساء إجتماعية-داخلية - عنصرية من جهة ، وأخرى سياسية – خارجية -  إقليمية تقوم على الإحتلال، و الهدم ، و التهديد ، و الإجتياح وغيره ، مما أدى في النهاية إلى :

.أولا: توقف موجات الهجرة للداخل – الإسرائيلي ، وبحسب بعض مراكز الدراسات و الإحصائيات فقد بدأت عمليات الهجرة العكسية للخارج*10.
. 
ثانيا: بزوغ مشاهد "الإحراج" للكيان الإسرائيلي دوليا ، و الذي تعددت تمظهراته مثل تلك التي تلت مذبحة اسطول الحرية ، وتقرير جولدستون وجريمة "المبحوح" وغيرها ، إلا أن من أهمهم "تفشي مظاهر النقد للسياسات الإسرائيلية" في أوساط النخبة الجامعية من الشباب اليهودي في الجامعات الأمريكية ، و الذين "على حد قول كل من ستيفن كوهين من كلية الإتحاد العبري ، وآري كولمان من جامعة كاليفورنيا أن "الشباب اليهود غير الأرثوذكس ، بصفة عامة يشعرون بقلة الروابط التي تجمعهم بإسرائيل أكثر ممن هم أكبر سنا ، فيما يصرح الكثير منهم "بعدم وجود مشاعر إيجابية تقريبا اتجاه إسرائيل "، كما استخدم هؤلاء الشباب ضمير "هم" بدلا من  "نحن" لوصف الموقف مرارا وتكرارا" *11 .
لذا فالموافقة على بند "يهودية الدولة" ، و الذي يعتبر "حصان طروادة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية اليمينية ، حيث أنه و بالرغم من أن الدولة العبرية بمفهوم البناء الثقافي قد طورت مختلف الآليات لخلق "الشرعية" ، بما فيها الإنكار الإنتقائي و الممنهج لأحداث حرب 1948م *12 ، إلا أن مسألة "حق الوجود كدولة يهودية"  للدولة العبرية و التي تعد بمثابة تحد اتجاه الداخل و الخارج ، ستجد لها حلا بمباركة من "الضحية" متى تمت الموافقة الفلسطينية على ذلك الشرط ، إن تمت.*13

________________________________________________________
الهوامش:   
  1. حوار الحفاة و العقارب : دفاعا عن المقاومة – نصري الصايغ – دار رياض الريس – بيروت- ص65-66.
  2. The Great War For Civilization – Robert Fisk – Harper Perennial – London – p437
  3. ولفظة "المقاومة" هاهنا لم تكن عن المقاومة الفلسطينية فقط ، بل أي مقاومة تهدد الكيان الإسرائيلي الربيب لأمريكا.
  4. التعبير ينسب لسليمان أبو ستة عراب القضية الفلسطينية.
  5. ومن هنا كانت العديد من الأنشطة التي شهدتها الضفة الغربية و القطاع من القبض على المقاويمن للكيان الإسرائيلي ، ومنها ما حدث مؤخرا من القبض على أربعمائة فرد من حركة حماس ، و الإعتداء الذي كان على مؤتمر عقدته الفصائل الفلسطينية الرافضة للإنخراط في المفاوضات المباشرة.
  6. حوار الحفاة و العقارب : دفاعا عن المقاومة – نصري الصايغ – دار رياض الريس – بيروت – ص66.
  7. The ethnic Cleansing Of Palestine – Ilan Pappe – One World – London – P90.
  8. طروحات عن النهضة المعاقة – د.عزمي بشارة – دار رياض الريس – بيروت – ص178.
  9. من مقال : الثابت و المتحول في المجتمع و الثقافة الإسرائيلية – باروخ كمرلنغ – مجلة قضايا إسرائيلية – عدد 2001 – ص4.
10.  إسرائيل الأخرى – جوني منصور – مركز الجزيرة للدراسات – قطر – ص 25.
11.  من مقال : فشل المؤسسة – بقلم بيتر بينارت – مجلة وجهات نظر – العدد 139 – ص6.
12.  Politicide – Baroch Kimmerling – Verso – London – P86
المقال تناول مسألة "يهودية الدولة" من وجهة نظر إسرائيلية ، منفصلة عن الواقع ووجهة النظر العربية و الفلسطينية وتبعاتهما ، و التي سيتم تفصيلها في مقال لاحق. (الكاتب).

رابط المقال على صفحات الهيئة الوطنية للدفاع عن حقوق شعب فلسطين الثابتة:
http://www.palthawabet.org/ar/newsDetails.php?newsId=405&classId=16&page=1&Next=1

No comments: