Sunday 24 October 2010

لا عدالة لأحياء يظلم -بضم الياء- شهداؤهم : في الحالة اللبنانية

ولأن إمبراطورية كروما لاتستطيع أن تحيا بلا أعداء ، فقد إلتزم بوليب ، هنتنغتون العصر الروماني ، البحث عن أعداء جدد لروما ، ولكن أين سيجد بوليب الأعداء؟ كل أعداء روما هزموا.
على روما إذن ، مهمة صياغة عالم جديد من خلال تعميم ثقافة روما وحضارتها وقيمها ، بهدف تهذيبه و إخضاعه ، وهنا إزدواج:

1.تهذيب العالم ، مهمة روما الحضارية .
2.احتلال العالم وتملكه ، مهمة روما السياسية"

نصري الصايغ

___________________________________________________

وقفات ذات مدلول :

- في السابع من ديسمبر /كانون أول عام 1987 ، طرج في إجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، مسودة القرار رقم 42/159 ، للتصويت ، و الذي يقدم تعريفا عالميا معتمدا "للإرهاب" ، وقد صوتت جميع الدول الحاضرة بالموافقة ماعدا دولتان إثنتان : الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل، وقد ورد في إعتراض ممثلي الدولتين أن التعريف المطروح للإرهاب في صيغته الأممية لم يتناول "المقاومة" باعتبارها صورة من صور الإرهاب .
وليس خافيا أن كلا الكيانين الأمريكي و الإسرائيلي هما كيانات استيطانية ، لذا فمن المنطقي أن يجمعهما الرفض لحق المقاومة الشرعي.
- في أعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، جمعت الإدارة الأمريكية العديد من أبواقها الإعلامية و الأكاديمية و السياسية للقيام بمهمة بوليب هذا الزمان  ، و اتمام الشق الأول من واجب روما ، وكان من تلك الجوفة  : برنارد لويس المؤرخ الذائع الصيت صاحب التزويرات التاريخية ، و التي قدم لها أول من قدم مجلة "الكومنتاري" الصهيونية ، وفؤاد عجمي صاحب الكتاب الشهير "المأزق العربي":
The Arab Predicament
والذي كان من أبرز المدافعين عن جرائم سجن أبو غريب، و الذي أصبح على رأس أكبر جامعة أمريكية في الشرق الأوسط في العراق عميدا لها ، و أخيرا وليس آخرا ، فريد زكريا الإعلامي الشهير ، رئيس تحرير النيوزويك ، ومحرر أحد أهم البرامج على شبكة السي إن إن الأمريكية صاحب كتاب "عالم ما بعد امريكا" :
The Post American World
وقد خرج علينا ذلك الأخير ، في تصريح له لقناة اليورو نيوز مطلع هذا العام ، بأن أحد أهم أولويات الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط و المنطقة العربية –بغض النظر عن لونها-  أن تخلق أرضية تجمع الدول العربية و الكيان الإسرائيلي على عديد الأصعدة  كالتالي :

1.ضد الدور الإيراني و الحق الإيراني المشروع للقوة ، و الذي لا يعيبه ابدا أن تنتقده الدول العربية الغارقة في التبعية و الضعف.
2.اتهام المقاومة بالتقوي بالخارج و العمل على زعزعة الممثل الوطني للدولة المدنية وهي تهمة لها مظهران إثنان الأول في فلسطين : حماس و التي سرعان ماتتناسى العقلية العربية التابعة ، و العالم الغربي أن حماس بأبجديات الديموقراطية المستوردة حصريا وأيضا كما تقول صناديق الإقتراع هي صوت الديموقراطي و الذي لا تشفع له شفافيته في شيء مالم تأت بالتبعية للولايات المتحدة الأمريكية ، و المظهر الثاني في لبنان وهو ماتحاول الولايات المتحدة وممثلوها من أنظمة عربية تعليبه بأن المقاومة خروج عن السيادة و الوحدة الوطنية.


مما لا شك فيه أن هكذا خطاب ، لا يستند على المنطق الطوباوي للخطاب ، ونموذج نقله خطيا : (مرسل – رسالة – متلقي) ، وإنما واستنادا لنظرية الخطاب وعلم الدلالات ، فالخطاب يتم تشفيره و إعادة تفكيكه بين المرسل و المتلقي ، حيث يقرؤها الأخير خطابا "مفهوما" ضمن النسق المعرفي الخاص به ، و التي يعاد ترتيب تفاصيل ميدانه بما يتناسب مع أغراض المرسل و الذي هو عادة يحمل من عناصر القوة و السيطرة إعلاميا و سياسيا و فكريا الكثير ، موظفا لذلك الكثير مما نحمله من إدانات مسبقة وموروثة ، وبراءات مسبقة –أيضا- وفق اصطفافاتنا القبلية و الأيديولوجية ، وسطوة عوامل تتحدث باسم السماء و تعطل العقل و المقاربة الموضوعية.
لبنان الذي تقاسمت 18 طائفة – أو يزيد- الرمز و الأرض فيه ، وأثخنته حربا ، قسمت فيها بيروت التي لا تقبل القسمة إلا على المستحيل ، لبيروت غربية وشرقية.
فإذا كانت الحرب اللبنانية  75- 1990 يجري تصويرها "في الخطاب المهيمن و الكابت للذاكرة على شكل "حرب الآخرين" ، أو على نحو مخفف أكثر ، حربا "في سبيل الأخرين" ، وبهذه العملية يتكثف فقدان الذاكرة " ، فما أحوجنا الآن لقراءة متحررة لتلك الذاكرة المغتصبة ، و المعطوبة ، ليتسع أمامنا افق النظر ، محيطا لما يحاق لهذه المنطقة ، نظرة تعلو قليلا للتذكرة و للموضوعية فوق أفق السياج الحدودي للأرض اللبنانية المحررة في ال 2001 ، ولنكتشف اكتشافا غير جديد ، بأن لبنان دولة من دول التماس – بحسب تصنيف الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس في كتابه الشرق الأوسط الجديد -  ، التي يخشى تعميم فكرة إتحاد : الدولة – المقاومة (ليس بمنطقها الميداني إنما بأسسها الإجتماعية ومنظومتها الفكرية ) – التحرير فيها لما في ذلك من خطر على الكيان الإسرائيلي، الرافض للمقاومة كحق أصيل للشعوب في الدفاع عن أرضها وكرامتها و يعتبر ذلك صنفا من صنوف الإرهاب ، لذا كان من الطبيعي و إعتمادا على العناصر السابقة ، تصدير المقاومة لا إرهابا ، بل كأنها خروج على الشرعية الدولية ، والدولة المدنية  ، رديفا للرفض الأمريكي و الإسرائيلي لحق المقاومة و إن كان تحت قناع كوسيلة تبررها الغاية  ، لذا كانت الحاجة للإنتقال لتفاصيل الداخل اللبناني :

حيث إنطلقت تجربة المقاومة الإسلامية اللبنانية في إتجاه واحد ، ألا وهو الحدود اللبنانية ، فأصبحت تجربة متشبعة في لبنانيتها حتى التخوم ، وليس تجربة غارقة في طائفيتها حتى الداخل ، فالمقاومة لم تستعمل سلاحها في الحرب اللبنانية ، فيما إستجمعت القوى اللبنانية كل المحرمات : (الطائفية / الإستخبارات / الوصاية / الفساد / الطائفية) لثبت أقدامها .

الحكيم (؟؟؟)ولا تسأل كيف.

يعلو هنا صوت يقول : التهمة التشيع !
حسنا ومتى كانت المقامات اللبنانية علمانية؟
أوليست المحاصصة الطائفية اللبنانية وبنيانها العشريناتي من هذا القرن مدسترا؟ بل ويؤسس للطائفية؟
في ذات الوقت ألم يكن التحرير خالصا في لبنانيته ، ولم يكن على وزن "بيروت شرقية وبيروت غربية" ن ألم يكن تحريرا لا لإقتسام السلطة في الداخل ثمنا لتمدد الداخل للخارج حتى الحدود؟
حتى التحرير لم يوظف كذريعة لأغلبية تمثيلية سياسيا ، يتوارثها الأبناء و الزوجات ، إن المقاومة بنسبها التمثيلية برلمانيا أقامت علاقات صحية بين نقيضين : الدولة ومؤسساتها ، و المقاومة ومستلزماتها.

يطلع علينا صوت آخر : هي ذراع إيرانية و/أو سورية!
حسنا ، فلنقر بما تقر به علوم السياسة الإنسانية ، أو علوم المصلحة البراغماتية – كما أفضل تسميتها- ، إن الفاصل بين مملكة افلاطون الطوباوية و الأرض ، هو أن طهرانيتها رذيلة في العلوم السياسية الميكافيلية ، وكذا المقاومة كأحد فصول العملية السياسية ، فالتحالفات لتحقيق الأهاف ليست عورة في السياسة ، فهي على الأقل قدمت تحريرا وورقة ضغط وعنصر موازنة شهد له العام 2006 ، التحرير كان بالغ اللبنانية ، فلم يحرر جولانا ولم ولن يمنع عقوبات.
إنتهت مهمة المقاومة ، حررت الأرض ، إستعادت الأسرى ، كسرت الأسطورة ، كل ذلك مقابل تولي الأسرة الدولية البت في مصير مزارع شبعا ، و التي يمتنع السوريون عن كامل لبننتها.

إن محاولات تخوين المقاومة  ، ماهي إلا تجويف للإطار الوطني لها ، وبراغماتيه الحربية ، بالقفز فوق الإنتصار و التحرير و الزهد الداخل ، والتعامي عن تاريخ العقلية السياسية الطائفية في لبنان ، و التي برهنت تجاربها منذ عقود ألا مقدس لها ، فهي لا تحمي أحدا من أبنائها ، فكيف ستحافظ على وطن ، كيف يمكننا نسيان "السبت الأسود" و "المردة" و المسلخ و الكرنتينا وروجيه تمرز وإنتكاسة مشروع إعادة البناء و الإعمار ، وما فصله جورج قرم ، وهنري إده ، و الوعد المشهور: "سندهش العالم" ، وتساميه.
إن إسرائيل تدعي قداسة السلاح ، و إن كان ذلك كذلك ، فماذا عسانا أن نقول عن سلاح المقاومة و بالذات بعد 1992 مع إنتهاء الحرب اللبنانية ، و عام 2000 ، أمن المنطقي أن تصبح المقاومة "يوسف يا أبي".
أما عن الداخل اللبناني ، فبعيدا عن التساؤل المنطقي ، مامصلحة المقاومة  في الإغتيال ، أي إغتيال ؟

فلدى مواجهة الفكر / الثقافة السياسية الداخلية الطائفية ، يطلب منها هي فقط تجنيب الطائفية ك"شذوذ" حيوي لديمومة القاعدة ، في بلد المأسسة الطائفية ، وحتى إن كان فالمقاومة هي نتاج البراغماتية السياسية ، و الوطنية الجامعة بكل تياراتها وطوائفها التي إتسعت لها حدود لبنان في أيار 2000.
وفعلا كما قال الحكيم (؟؟؟) سمير جعجع ، ولأول مرة : لاعدالة لأحياء يظلم –بضم الياء- شهداؤهم.    

الميركافا راكعة

الهوامش:
1. رابط المقال على موقع الهيئة الوطنية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينيك
http://www.palthawabet.org/ar/newsDetails.php?newsId=437&classId=15&page=1&Next=1

No comments: