Thursday 1 March 2012

آليات المقاومة في ظل التكنولوجيا (نظرة مبدئية)


يتقدم التاريخ الإنساني ، وبتقدمه تتطور آليات المقاومة ، وتلك علاقة لا يطالها الجدل من بين أيديها ولا من خلفها، فمفهوم المقاومة لاصق التاريخ الإنساني كظله ، بل وتمدد ذلك الظل في التاريخ المعاصر بما سببته فترة التنوير الأوروبية التي جاء بعدها الحاجة لضمان تنوير ما يتّقد على الإنسان كمادة ، في امتداد لتشيؤ الإنسان الحديث باسم الحداثة.

 ذلك التطور يتوازى مع مع مايتضمنه المحتوى النوعي لآليات المقاومة تلك ، فيما يعرف بـ

(Qualitative Classifications)

. وحتى وقت قريب كان الفارق الكمّي والنوعي في تلك الآليات لصالح المستعمر –بكل ما تمثله فكرة الإستعمار من صلابة ومن سيولة- ، ناهيكم عن احتمال سيطرة المستعمر على أولوية تحديد آليات الاستعمار –وبالتالي المقاومة- ، بجانب تحديدات خطابية أخرى قد تشمل الدين والثقافة و العرق وغيرها.
ولعل اللحظة التاريخية الراهنة ، تشهد إنقلابا راديكاليا في التكنولوجيا التي بدأت بداعي تسهيل الحياة الإنسانية –عموما- و إنتهى بها الأمر إلى وسيلة سيطرة حداثية ، ينتهي بها عصر الإنسان وتمثيلاته –بمنطق الفيلسوف الفرنسي فوكو- ، وهاهي الآن تحسم العلاقة مع الطرف الاقوى المسيطر حضارياً بأن أصبحت تعبيريا أيضا في خدمة المقهور و المسيطر عليه، بداية من الثورة الروسية التي كان لسكك الحديد فيها دور الوسيط بالمنطق الثوري ، كانت الطباعة في فرنسا ، والإنترنت و الشبكات الإجتماعية في الحراك العربي الثوري. 
ولأن المتن لايسمح لنا بالخوض في تشعبات مفهوم "تكنولوجيا المقاومة" تقنيا في العالمين العربي و الإسلامي، وعلاقة ذلك إستراتيجيا بمؤسسات الدولة ، فالإشارة في المقال التالي ستكون لـ"تكنولوجيا المقاومة" من ناحية أداتية محكومة بفترة زمنية قصيرة نوعا إذا ماقورنت بالتأسيس المؤسسي والاستراتيجي لمفهوم "محو الأمية التكنولوجية" وكيفية توظيف ذلك في السياسات العامة وغيرها، وهو مايمكن ملاحظته في المسافة بين المقاومة التكنولوجية لمجموعات ثورية شبابية عربية في فضاء الإنترنت وشبكاته الإجتماعية المتعددة وما صاحب ذلك من تعدد في المسميات ، و إن اختلف ، تشابه –حد التطابق- في كونها تجمعات أفقية شبابية ، وليست هرمية ، يغلب عليها فكرة الإنطلاق من المشتركات المقاومة، وليس الايديولوجيات.


محاور تكنولوجيا المقاومة:
1. وإن انطلقت أداتيا منفصلة إلا أنها لابد أن تصب في مشتركات المقاومة ، بإضفاء الفاعلية والتأثير في أدوات المقاومة الموازية ، وإعادة صب الزخم فيها ، إلا أن ذلك لايعني إنفصال أدوات المقاومة الموازية والتاريخي منها خصوصا عن ديناميكية التكنولوجيا الحديثة ولا استحواذها.


2.تحليل وتفكيك النموذج التكنولوجي للمقاومة من ناحية عليمة و تطبيقية، وخلق تعدد وسائطي أو أدوات تطويرية (Evolution Instruments)  مثال ذلك المجلات الإلكترونية ، و التصوير و فنون الغرافيك ، و الموسيقى و الفن وغيره، وهذا يخلق فضاءاً ثقافيا ، يكسر ماتسعى إليه عملية أدلجة المعرفة ن التي جعلت للغرب القدرة على تحديد مقاييس مطلقة و التحكم في طرائق قياس الأمور و المعاييير.
مايعني وضع شكل من أشكال الإستراتيجيات التدرجية في تفعيل واستخدام المقاومة و أساليبها المتنوعة لأغراض المقاومة، والتي تتطور في شكلها الذي يعني بدوره "تدرج عملية حيازة التكنولوجيا" (Gradual Acquisition Technology)

3.تدوال مفاهيم ومفردات التكنولوجيا كآلية عملية وخيار استراتيجي في تخطيط هياكل المقاومة ، لصالح تفعيل دور البنى المجتمعية ، بمراكزها الفرادنية الجامعة ، على حساب البنى الحزبية و التنظيمية ذات الأسوار الأيديولوجية المؤسسية.

4.تسخير التكنولوجيا لخدمة أهداف المقاومة وقيمها الجامعة ينقل بالتحديد الجغرافي التقليدي نطاق المقاومة إلى طوراللاتحديد والإنتشار، وبخاصة بعدما تزايدت الأهمية التكنولوجية بجوانبها المتنوعة في البناءين الإقتصادي و السياسي لدول العالم في مختلف تصنيفاتها ، صناعية ، نامية ، كبرى صغرى، وهنا تتحول "القرية الصغيرة" من نموذج يجب عولمته إلى نماذج تتلافح وتتلاقى.

5.التكنولوجيا لا تعد في ذاتها إلا إجراءا لا يجب أن ينفصل عن القيمة التي تحققها -ويجب- المقاومة باعتبارها عملية تحررية تستهدف الإنسان أولا و أخيرا ، لذا على التكنولوجيا دوما أن تعبر عن الفكرة كقيمة معبرة جمعية ، وليست فئوية أو حزبية ، لأنها بذلك تضمن غلبة الإجراء على القيمة فتنهار فاعليتها.
6.قرار استخدام التكنولوجيا في المقاومة يقدم خيارات استراتيجية، ففي حين يعمل ذلك على الانتقال بالمقاومة إلى مرحلة "اللاعنف" ، باعتبارها إمتدادا للمخزون المعنوي في الحروب و المواجهات ، وبالتالي فهي تعد تصعيدا وليست تسليحا (التسليح مواجهة سلاح بسلاح، إنما التصعيد يقوم على تعطيل سلاح العدو ، و المقصود هنا هو الخطاب السياسي و تكنولوجيا المعرفة)، إلا أنه في الوقت نفسه يمَّكن من توظيف افضل واستقراء استراتيجي أفضل لتطوير عمليات المقاومة المسلحة.


في النهاية - لتلك البداية المختصرة- ، يظل الفارق بين المقاومة و الإحتلال/الإستعمار/الدكتاتورية ، فارقا قيمياً / معنوياً ، لا يستند إلى الحسم اللوجيستي/الردع ، بين الطرفين ، و الذي يميل فيه ذلك الأخير لصالح المستعمر و المحتل و السلطة القمعية في أغلب مفاصل التاريخ. فالقيمة المعنوية الجامعة للمُحتّل و المُسْتَعمَر و المقهور ، أكبر من تلك اللوجيستية الرادعة لغريمه.
المقاومة هي إثبات وجود وموقف تعبيري تختلف وسائطه، فيه من الدلالة الكافية على حسم الفكرة في مقابل المادة:


فإن يُقتلوا فالقتل أكــــرم ميتةٍ     وكل فتى يوماً لإحدى الشواعب
وما قُتلوا حتى أثاروا عصابةً     محلِّين نوراً كالليوث الضوارب
 (أعشى همدان في وصف ثوار معركة "عين وردة")


************************************************
رابط المقال على صفحات مجلة فلسطين الشباب:
http://www.filistinashabab.com/index.php?option=com_k2&view=item&layout=item&Itemid28&id=1094

لتحميل عدد مجلة فلسطين الشباب لشهر آذار /مارس 2012 في صيغة البي دي إف Pdf:
http://www.filistinashabab.com/media/k2/attachments/FA_63.pdf

No comments: