Monday 26 March 2012

لامقدس في بلادي ولا على مائدتي إلاكِ



"فلتجعل الأمر مشوقا ، بلا وحي  يرفو حظك، فالوحي قوة الوحيدين، أما أنت فلست وحيداً، كن نبياً واجعل الأمر مشوقاً، كوصف بارع للخيبة، واختبر جرأة خيالك عليك."
أجابت بتلك الكلمات على تساؤل ضلّ طريقه بينه وبين عقله المصمت الخيال، إذ تقول "أناه":
"تراه كيف يكون عشاء مع نبي؟"
ولأن النبوة لا تستوًّ بدون "أل" التعريف، سقط السؤال كعملة معدنية في جوفه، شق رنينها إلى هاجسها الأنثوي الفاحش في الشتاء طريقه.

"ستتقاسم الأمر إذن، أنت و النبي في إنصرافه عن مائدتك بعد العشاء، الذي جمعكما ذاك اليوم، فلن تنجو ذاكرة أحدكما من الآخر..وهنا ، لا تشكره على شفاعته، فهو فقط يرد الدين"
مضت كلماتها خفيفة مثلها، تتقلب بين سمائها و أرضه ، لولا أن قطعها خرير ماء نبي على بابه الصامت دونها.

حينها هبَّت رياح لازوردية من بين نهدين من عاج، وحبتي رمان ، تستوي بينهما السماء و القداسة ، وإقتربت في ثبات ضاجٍ منه ، و أسرّت :
"لا تثق بنبيًّ يبشر بآلهة الطوفان، أي سماء تلك تحتجب بالغيب ولا تحتمل الخطأ، وبدلاً من اتزان الخجل تعاقب المرأة ؟!!!".

فتح الباب أو أعاد تعريف المسافات به، ولم تتوقف عيناه على تراتيل قداسة من دخان وحروف، خرجت من سردية الأقوام السابقة واللاحقة، وخطا الضيف خطواته الثابتة على علوم الأرض ، دون مساس، تتقافز التعاريف بين خيالينا...إذن ، هي "القسمة" التي بشرّت هي بها ... أوليست "هي" الإجابة الساقطة من علومنا عن تأنيث النبوة والصمت؟

نفض عن رأسه السؤال المهين للنبوة و الذكورة، وتحرك إلى ضيفه المضيء..

أخرج الضيف من جيبه، الغائر في الرؤيا، قطعة من عشب تلك البلاد، وقال:
"هي ممر الأرضي لتعريف السمائي، كنا هنا ، وكنتم، وسنرحل وستظلون ، سنأتيكم في تعاريق الزيتون ودموع الرمان، فلا تصدقوا إلا الأرض ..."
لم يلحظ مرورها في عين ضيفه ، وهي تقول له:
"الأرض مجاز الأنثى فيك....لاتنس
وتذكر ألا نبي لم يخرج من سرير إمرأة، وغياب الذكروالتأويل...الأنثى قرب النبوة أبعد الذكورة".
أعاده ضيفه إلى منطق الحوارات في فقه الكلام ، وهو يخلط التعريف المائي و النبيذ على طاولته الأنثوية الترتيب، نهباً عن أعين النبوءة، وينسج بينهما صليبا، عاليا تستند إليه سماؤه، ليقول:
"لا صليب من دون طوفان".
فقال له: "ألا يكفي الصليب؟؟"
فرد الضيف النبي : "الأمر تمرين على الاتحاد و الوحدة ، أنتم ما أنتم، والمسافة بيننا و بينكم حبة رمل، فرمل آدم غير رملنا، نحن أقل شأناً...أنتم ما أنتم ، ولانبي فيكم، أما نحن فانتهينا..."
حَملتْ عن النبي الضيف صحنه، وفتات خبزه ونبؤته فيه، وأيضاً دون أن يلحظ مرورها بكفيه وسرديته، إذ يكمل منطقه قولاً:
"ستمر النبوة ثلاثاً بأرضكم، وتعلن موتها"

حينها نظر هو إلى ضيفه، وقال ماقالت له قبلا:
"..فلتنبذ عنّا الألوهية وتوكيداتها الثلاثة، فالقداسة والحرية لا يلتقيان، حريتنا أن نكون كما نحن، لسنا أسطورة، فالأسطورة لا تقاتل لحرية، تعلم أن تعشق نهداً لا يُرضع الشهادة و الحرية فقط، لتغدو إنسانا كامل النقصان، فيصبح وطنك مستحقا.. فلتخطيء ولنخطيء لنتعلم طريق السماء مساً، فلتُّهن الجنة بالنار..وتذكر أن الناي على عتبات القبر و ضحكاتنا وراء الإمام ، هما من علمونا الخشوع"

أطبق النبي الضيف الباب خلفه، وحمد سمائه على إسرارها بضعفه لها، وخرج من يقظاته التي تشبه النوم ، ومدنه التي تشبه اليقظة، وتحرره من الاستعارة بالعجز.

أما هو فعلى حدود المائدة، مرت به مطراً خفيفا من ماء الورد و المرايا، وقالت:

"تذكرني وطناً، و أنت تحب وتكذب وتخون فتكون...
تذكرني عندما تستظل في ظلي حراً من آمال الآخرين و آلهتهم معلقة عليك وعلي.. وهم عراة
تذكرني إذ تنفض عن وطنك وثنيتهم و قدسيتنا..
تذكرني و أنت تعري في الرصاصة ضعفها أمامك إنسانا كامل النقصان..
رملة رملة...
ودافع عنك بك ، لا بنبي أقر بالمسافة بين ظله و الضوء..
دافع عن خطى غلغامش فيك، وهو يبشر بالطوفان ويراه دون وساطة وحي وتواطؤ السماء، بل نبوءة الدمع رسمت الغواية و الصداقة ، بدمعه ورملك بنى سوره، فخافت منه السماء

تذكرني إذا كنتَّ..فأكون
وتذكرني إذا كنتُ..فتكون."


على صفحات عرب ال_48:

No comments: