Sunday 8 July 2012

تأملات في الجسد (1)



يتخذ التجسيد كعملية إبداعية صوراً تكاد تكون متعاكسة في الثقافات المختلفة تبعا لصورة الجسد الثقافية في كل مجتمع على حدة.فقد أصبح الجسد البشري من خلال مراحل التطور البشري بمنزلة بناء رمزي وليس حقيقة في ذاتها فالجسد لايأخذ معناه إلا من خلال النظرة الإنسانية الثقافية له، وقد لعب المقهوم الجمالي للجسد في الثقافة الأوروبية منذ اليونان القديم الدور الأساس في نشأة الحاجة إلى المسرح و استمرار ذلك النداء في العصور التوالي، وبالتالي فقد كان ذلك النداء يتقطع أو يتم كبحه في الفترات التي يعلو فيها المد الاصولي المتشدد، ومن ثم يسود المفهوم الأخلاقي التجريدي للجسد الذي يعمل على فرز الأجساد وفقاً لمعايير مختلفة التنويعات فمنها مثلا الدينية (مقدس /مدنس) ومنها الاجتماعية (حر ؟عبد) ومنها البيولوجية (جسد عار مغو/جسد مستور غير مغو).

فعلى مر التاريخ كانت الأأصولية و الاستبداد هما عدوي الجسد، بل وعدوي التعبير الحر الطبيعي بصفة عامة ، وهو ما يفسر انحطاط الصنوف الثقافية و الفنية التي ينتجها انسان تلك الفترة من معمار تطغى عليه الوظائفية لا الجمالية (يقوم –ذلك الفن المعماري-  انعكاسا لنفي الجسد من الحيز العام باعتباره طرفا مجردا في الثنائيات السابقة لا قيمه له)، و فنون تقع أسيرة الثنائيات السابقة، وهو ما دعا أصحاب النظرة الأحادية الضيقة أن يرو في الفنون التمثيلية (ذاك اللون من الكشف و التعري الروحي –بالمنطق الاقرب للصوفية-) سلوكا مشينا، مبتذلا يصل إلى حدود العهر ، فتلك الفنون في نظرهم لايمكن تلقيها إلا بمنطق لا يتعامل مع فردانية القيمة الجسدية بقدر ما يوظف ذلك الجسد لنفيه وقمعه في كل تلك الثنائيات ، إثباتا لصحة أنساقها فقط.



(أينما وجد الجسد وجدت السياسة - جوديث باتلر).


No comments: