Saturday 11 July 2009

نظرية المؤامرة (2) : الإتصالا ت و الفضاء المفتوح للإعلام.


أبدأ مقالي بإحدى نظريات المؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي التي ذكرها في نص نشر عام 1973 موضحا مسار الإنسانية في ثلاثة مراحل، و التي أوردها أنا هنا بكثير من الإيجاز:

1. في المرحلة الأولى (ماقبل التاريخ) كانت الإتصالات بطيئة للغاية و تطورات المعرفة تسير بشكل أبطأ ، حيث كان كل جديد أمامه مايكفي من الوقت لينتشر حول العالم، قبل أن يأتي جديد آخر ، لذا فقد كانت المجتمعات الإنسانية تملك الدرجة ذاتها من التطور، و الكثير من الخصائص المشتركة.

2. أثناء الفترة الثانية كان تطور المعارف أسرع من إنتشارها لبطء وسائل الإتصالات ، فأصبحت المجتمعات أكثر فأكثر تمايزا في كل المجالات وقد دامت تلك الفترة من السنين آلافا فيما نسميه بالتاريخ

3. الفترة الثالثة تتقدم أثناءها المعارف و العلوم بصورة متسارعة ، وإنتشارها من هنا إلى هناك يسير بشكل أسرع ، لدرجة أن المجتمعات الإنسانية ستجد نفسها أقل فأقل تمايزا ، ولديها من نقاط الإلتقاء و التشابه الكثير و الكثير.

(وهنا في وجهة نظري يكمن الإختلاف عند النظر لتفاعل الحضارات بعضها مع بعض في الزمن القديم، مما خلق إنطباعا لدى البعض أن الأصل في الحضارات الصراع للبقاء بينما السطوة في التاريخ القديم كانت لبطء عملية التشابه والمماهاة والتفاعل فيما بينها لا لسطوة الصراع-و التي لا يمكن تجنيبها أو نفيها تماما- و بذلك لا يمكن تشبيه العلاقة بين تلك الحضارات قدبما بما هي عليه الآن في عصر الفضاء المفتوح و المعلومة الحرة السريعة وإرجاع ذلك لسطوة البقاء للأقوى).


وقعت في يدي بعض الإحصائيات و الأخبار و التي أذكر منها هنا بعضها:
1. بلغ عدد مستخدمي خدمة الهاتف المحمول في قطر 120%.
2. في عام 2000 سجل الأردن أعلى نسبة إستخدام لخدمات شبكة الإنترنت في دول الشرق الأوسط ، و يوجد به 4 شبكات للإتصالات الخلوية وكذلك في السعودية أما مصر و العديد من الدول العربية فيوجد ثلاث شبكات للإتصالات الخلوية على الأقل .
3. إنجلترا تعلن البدء في خدمات الجيل الرابع من الإتصالات الخلوية.

والكثير غيرها ،إذن فنحن في زمن الفضاء المفتوح و المعلومة السريعة و التي تقرب الناس أكثر فأكثر ، كما تقول نظرية توينبي ، فما يحصل هناك نراه لحظة بلحظة هنا ، ولكن ما علاقة ذلك بنظرية المؤامرة ؟

إذا نظرنا للأحداث الدائرة في إيران (مثلا) ، سنجد العبارة الدائمة التكرر :
(where is my vote?)
و في الإنتخابات الأمريكية كانت:
(We have a choice.)
وأما في لبنان - الذي لم ير فيه بعض الجهلة سوى الأغاني و الرقص و عمليات التجميل ليزايدوا عليه متجاهلين
تاريخا كبيرا وحاضرا بالغ الوعي و الديموقراطية لا يتوافق مع الكثير من أنظمتنا الكهلة المريضة- فقد كانت عبارة : (إختيارك..حقك!!)....وهكذا .
إذن فذلك الفضاء المفتوح كشف لنا أن الحاجة للديموقراطية و الحرية و حق الإختيار هي حاجة إنسانية بدائية تتخطى حواجز عدة كجواز السفر أوالهوية أو الأيديولوجية و الفسيفساء الإجتماعية و العقائدية و الجغرافيا و الإقتصاد و اللغة و الدين ، لذا فقد كانت (أيضا للمثال) دول أمريكا اللاتينية بتاريخها المشرف لهم - و المحبط لنا - بوصولهم لمراتب متقدمة في حقوق الإنسان متخطين بذلك عقبة (للإقتصاد الأولوية) أو كونها دول عالم ثالث والتي لا تنفك أغلب أنظمتنا الجاثمة على تاريخنا أن تبرر بها تأخر حريتنا تحت مسميات مختلفة من (الطواريء).

فالإقتصاد الحر و التعليم الحر و الفكر الحر لا يؤخذ بتراتبية الكلمات، فالإقتصاد لايتأتى قبل الحرية، وكذلك التعليم و الفكر و أيضا الدين، وههنا أتذكرصور رهبان التبت و القهر الذي عانوه ، و كذلك في بورما ، و البهائيين و الأقباط في مصر ، و الكثيرين الذين لا أتوانى عن إعلان دعمي وتعاطفي وإيماني بأحقية طلباتهم المساوية لتلك لأي مسلم حول العالم ، وذلك لأن الحاجة التي تجمعهم و تجمعني وتجمع ذلك المسلم واحدة.. الحاجة الإنسانية ، بغض النظر عن الصحة و الخطأ و التي سيحكم فيها الله يوم لا تزر وازرة وزر أخرى.

وهنا توجب علي الوقوف لإيضاح أن إنفتاح فضاء المعرفة بهذا الشكل له ضريبته ، ففي ظل وجود هذا الكم من المعلومات حول أي موضوع وبدون أي مرجع يتطلب درجة عالية جدا من الوعي لإنتقاء الأصلح و الأدق و لإستيعاب كل ذلك الكم من المعلومات بصحيحها و مغلوطها و لكن من أين يتأتى ذلك الوعي ؟
قد يجاوب البعض بالرقابة ، ولكن الرقابة – في نظري - ما هي إلا مصادرة على حرية العقل الفردي في الإختيار بحجة أن هذا أو ذاك مضر، في حين أن الوعي لا يرتقي إلا بالحرية ، فما يعالج الظلام إلا الضوء لا المزيد من الظلامية الإنتقائية . و الحرية ههنا ليست مجتزأة فالحرية حق أصيل و ليس حقا مكتسبا تحت أي نوع من أنواع حماية الدين أو الجنس الحاكم أو المرجع الديني أو أي من تلك الأيقونات المثبتة فوق التاريخ و الإنسانية قهرا ، وهنا أتذكر جزءا من سطور كتاب (كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الإستبداد) عن العلاقة بين الديموقراطية و الوعي:

(غياب الديموقراطية لا يجعل الناس مجانين بل يجعلهم يفقدون عقلهم الجمالي ، و هي محنة لا تختلف عمليا عن محنة الجنون نفسه ، إلا في نقطتين:

1. أوجاع المريض ( المصاب) لا تكشفها أدوات التشخيص الطبي .
2. علاجه يتطلب جراحة من غير تخدير.

فكل مواطن يبدو رجلا عاقلا في تمام وعيه على حدة ولكن الأمة ككل تبدو مغيبة عن الوعي ، ومصدر هذا التناقض بين وعي المواطن الفرد وبين جهل الأمة مجتمعة ، أن العرب خسروا المناخ الحر وخسروا العقل الجماعي ، وورطوا أنفسهم في ثقافة فردية لاتعاني من غياب المواطنين الأذكياء ، بل من غياب وسيلة للتفاهم فيما بينهم في مجتمع شبه أخرس لا تجمعه أصلا سوى إرادة الراعي و عصاه )وهنا أضيف :( تحت مظلة فرق تسد).

من المشاهدات التي إستوقفتني :

- غباء بعض الأنظمة وسباحتها ضد تيار الفضاء الحر للمعلومة و من ذلك مثلا كما ذكرت في مقال سابق *عند زيارة باراك أوباما ، حيث تم تخصيص مايزيد عن ال7 مليون جنيه لمشروع تشجير إحتفالا بالمناسبة – في بلد يغرق في الفقر و الفساد و الظلم السياسي و الإجتماعي - ،وكذلك تغيير تفاصيل و خدمات و بنى تحتية كاملة لمنطقة الزيارة ولمنشأة تعليمية أصلية كجامعة القاهرة - التي ندين لها على الأقل بذلك و أكثر دون ان تكون تلك الزيارة سببا لرد الدين- ، وكأننا بذلك سنخدع العالم بعملية التجميل تلك التي لن تخفي ماض و حاضر بالغ الفساد و السوء و القهر والتخلف.

- ظن النظام الإيراني أنه بمنع الصحفيين ووسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية وممثليها من التواجد لتسجيل تلك الجريمة الإستبدادية و التي كادت أن تنطلي على العالم –و أنا منه - لولا تمسك الإيرانيين بأبسط إحتياجاتهم، أنه بذلك يطفيء الأنوار فلن يرى أحد ، وقد أثبت فضاء المعلومة الحر أنه لا يخاف ظلمة ، لنرى جميعا صور مايحدث مهما حاولت العتمة أن تخنقها ، بمجرد إجتهادات إنسانية فردية تثبت أن للأفكار أجنحة .

- السماح للكتابات و الأدبيات العبرية و الإسرائيلية أن تترجم وأن تتاح للعامة ، و ما تلك إلا خطوة لمعرفة الآخر ضمن الحديث النبوي الكريم القائل فيما معناه :( من خبر لغة قوم أمن مكرهم)، في قرار وصفه الكثيرون و للأسف بالعديد من التوصيفات الجوفاء و التي تقننها نظرية أخرى جوفاء و هي نظرية المؤامرة ، لتضفي على الإنفتاح على الآخر صفة صراع بقاء متعاميين كالعادة عن أن الكثير من الأدبيات العبرية و الإسرائيلية تهاجم الدولة العبرية و تثبت الحق العربي المغتصب ، لذا ألسنا في موقف نحن في حاجة تحت سماء ذلك الفضاء الحر أن يشاركنا الآخر نداءنا الإنساني المبررا؟!.

No comments: