Saturday 6 June 2009

الهوية و الوطن

الخلط مابين الهوية و الوطن يسقط كثيرا في توصيف واحد متبادل ما بين الإثنين، لست هنا في معرض الحديث عن ذلك الخلط بقدر ما أنا هنا للخوض في المعنى الخاص لكل من القيمتين الحيويتين معا و كل على حدى.

ما الوطن؟ ، تجيب الذاكرة هو أرض نشأت تحت سمائها ، شربت من مائها ، أكلت من خيراتها، ضحكت طفلا فيها، ويجيب التاريخ الوطن أرض شربت دماء جدك قبل عرقه، في جسدها غرست شجرة عائلتك جذورها الأولى ، و يقول الواقع بقسوته وطنك حيث أنت ، وتقول الحاجة الإنسانية البدائية الأولى وطنك حيث عيشك الكريم وحقوقك الإنسانية المحفوظة.و كل تلك الإجابات مجتمعة في آن تتخطى حدود الوطن ، و منفردة لاتعطي الوطن أبسط حقوقه و تعريفه/ تعاريفه. وفي حضرة هؤلاء الشهود أسأل نفسي ، لأجيب وطني هو الجدلية القائمة دوما مابين البيت و الطريق ، تلك الجدلية التي تحيا و تزداد في ظل هوية ديناميكية تزداد تميزا و إتساعا (لأنا و الآخر) على نفس الطريق لنفس البيت.
ماكانت يوما الهوية هي الوطن وما كان الوطن هو الهوية، فهويتي تتسع لأكثر من وطن ووطني يتسع لأكثر من هوية ، فجيفارا حرر أوطانا كثيرة بهوية واحدة إتسعت لأكثر من وطن فكانت تلك أوطان لهوية واحدة .
محمود درويش :( من أبسط الأمور أن تقول وطني حيث ولدت . وقد عدت غلى مكان ولادتك و لم تجد شيئا. فماذا يعني ذلك ومن أبسط الأمور أن تقول أيضا: وطني حيث أموت ، و لكنك قد تموت في أي مكان ، وقد تموت على حدود مكانين . فماذا يعني ذلك؟). ، هنا أضيف:( مابين وطن الولادة ووطن الموت ...سيصبح السؤال أصعب و ستصبح الهوية أكبروكذلك الوطن).
محمود درويش: ( لا تنفي الهوية الهوية ، إن مايربك الهوية ويوترها هو إشتراط تشكلها بنفي هوية الآخر ، فإلى متى يجري البحث عن الطبيعي فيما هو خارجه) ، وهنا أضيف: ( أين حدود الطبيعي بالنسبة لنا).
البعض لا يرى ( الهوية/الوطن) سوى في نرجسية التحديق للوطن/ الهوية الأحادية في المرآة ، لتصبح حينها المعادلة : (أنا لا الآخر) وليست ( أنا و الآخر) وفي ذلك مخالفة لأبسط قواعد و أساسيات الوجود ، و هي الأضداد ، فمن الآخر كانت الأنا ، كما من الليل كان النهار ، فالأضداد هي أصل الوجود دوما ، مما يكسر قاعدة الطبيعي لدينا .
فحدود أي وطن يجب أن تتسع في أبسط تعاريفها لانا و الآخر ، لضمان حرية التفاعل داخل الوطن (الفعل و المفعول له) ، وديناميكية الهوية البنائة ،التي لا تلغي الآخرلما يقود ذلك من حصار لحصار ، و يدفن الفكرة حبيسة الحاجة الملحة للبقاء بالخبز و المأوى و العلَم و الشرطة.
إذا كانت البلاد خطوطا و ألوان على خريطة فإن الوطن إنتماء و الإنتماء جزء من الهوية ، الهوية ذلك الباب الذي لم و لن ينتهي البحث فيه ،فهي المجمع الشامل لجميع مناحي التاريخ و التجربة الإنسانية ، فالهوية كما ذكرت سابقا *(1) قابلة للإتساع و الإستيعاب فبزيادة كل عنصر لهويتي كلما إزددت خصوصية ، ولكن متى إعتبرت تلك العناصر تمثيل لسيطرة الأقوى – و إن كان الدين- فذلك يعني الضمور.
فالإنسان لايتميز عن بقية الكائنات بأنه مجرد كائن ناطق ، إنما يتميز جوهريا بكونه إمكانا يتحول بإستمرار ، ويتخطى نفسه و كينونته ، لذا فهويته أمامه تتكون و تتكامل بإستمراره.
محمود درويش: ( الصراع مع الهوية يعبر عن أقصى درجات الحرية و الإنتماء ، حيث يصبح في مقدور الثقافة أن تحاكم ذاتها ، و تنشط أسئلتها التي تمس بعض محرمات مجتمعها ، كأن يتعرض الوطن نفسه للسخرية ، عندما يتحرر هو و السخرية معا من حالة الطواريء).
وأعقب أنا هنا: (التفاعل و ليس الصراع سيحررنا من زمن السخرية و الطواريء.).

No comments: