Wednesday 17 June 2009

نظرية المؤامرة

البشريختلفون في إختياراتهم وإنتماءاتهم وإنتاجاتهم و ثقافاتهم و هوياتهم و حضاراتهم ، و فكرة الإختلاف تنتج – منطقيا – من وجود طرفين يختلفين في العناصر السابقة ، ولكن النزوع لطرح الإختلاف لكونه الأساس الوحيد لتقابل الهويات/الحضارات و تفاعلها ينتج صورة موتورة و مجحفة لفكرة التميز ومنه الخلق و الإنتاج إلى أكثر الصور الإنسانية سموا و هي الإبداع ، لأن الإنسان يتميز بكونه أمكانا لا يعرف المستحيل أو الثبات.

مادعاني لكتابة هذه السطور ، ما ظهر لي في هذه الفترة من أفلام وثائقية وحتى أفراد يؤيدون إحدى أكثر النظريات تدميرا ، وهي نظرية المؤامرة ، تلك النظرية التي تعتمد بعدا واحدا لفكرة وواقع الإختلاف وذلك لتبرير إنتاج الكثير من البروتوكولات التدميرية المبررة تحت منطق (أننا مختلفون عن الآخر)، و التي و إن كانت تستهدف الإختلاف ، فتلك النظرية لا تقرب بقدر ما تعزل ، مما يعمق و يزيد واقع الإختلاف ضراوة و سوءا.
ومما يدعو للأسف أن تلك النظرية قد لقيت القبول و الإستحسان لدى شريحة مجتمعية عريضة ، يفترض بها أن تكون أكثر وعيا ولاأقول أكثر ثقافة حيث أنه في بلادنا أصبحت الثقافة رفاهية إن لم تكن مدمرة لمجرد خروجها عن أسوار الحلال و الحرام و رقابة المقبول و المرفوض في زمن الطواريء، ومن تلك الشريحة للأسف نجد أطباءا و مهندسين و...إلخ.

ولكي أوضح فكرة الفروق و الإختلاف بين الهويات و الثقافات و الحضارات سأحاول تصويرها كعلاقة بين طرفين (A) و (B) على مستوى عامودي/رأسي (كما تمثله النظرية):
وهنا سيكون لدينا وبما تقتضيه كلمة (فروق) الطرف (A)- فرضا- أعلى من الطرف (B) ، وما ينتج عن ذلك من إحساس بالعليائية و إحساس زائف بالأمان من الممكن أن يختزل التميز و الإختلاف في كونهما و سيلة لتعميق الفارق فقط وليسا هدفا أو غاية في حد ذاتهما ، لأن الفارق مابين الطرف (A) بإتجاه الطرف (B) هو بالسالب.
أما الطرف (B) وهو الأهم لدينا لأنه دوما هو ضحية نظرية المؤامرة ، فنجد أن لديه الإحساس بالدونية و الوحدة ،وإن كانت المسافة منه بإتجاه الطرف (A) بالموجب فإن وجود تلك العلاقة على مستوى رأسي يختزل هو أبضا الرغبة في التميز و الإختلاف وإن كان فرديا في إستراتيجيات رأب الصدع و الفروق فقط ،ليس في التميز الفردي في حد ذاته كصورة إنسانية مما يفسر نزيف الأدمغة من عالمنا العربي/ المسلم / الشرق أوسطي للخارج . لكون أغلب تلك الإبداعات لا توافق تعاريفنا الموتورة للتميز والإختلاف في زمن الدونية و الوحدة.
وبما أن الحس بالإختلاف عن الآخر (عاموديا-رأسيا) يولد إحساسا بالتهديد و الإستهداف و الضعف ، فيما تقننه نظرية المؤامرة ، فإن الحاجة الإنسانية الحيوانية البدائية لوجود المخلص تظهر، مما ينتج لنا الفرد و النظام و الأيقونة و الناموس المطلق الصلاحية و القوة و السلطة و الصواب. ومن هنا تظهر الأنظمة و القادة و الشيوخ و الرهبان وحتى الأفراد الذين يغذون ذلك الحس بالإختلاف رأسيا لتزداد الحاجة إليهم لمواجهة الآخر في ديمومة العلاقة (البقاء للأقوى)، وتظهر لنا بعد ذلك العديد من المسميات و الصور لحالات الطواريء من الرقابة و الحلال و الحرام و الصحة و الخطأ مما يقتل الوعي الجماعي للأمة.

أما التمثيل الذي أعتمد صحته في هذا المقال ، هو التمثيل الأفقي للعلاقة ، وللإيضاح أكثر توجب علي العودة لإحدى النقاط التي ذكرتها سابق في أحد مقالاتي:
(كوني أردنيا فهذا شيء أتقاسمه مع خمسة ملايين شخص ، و كوني مصريا فذلك أتقاسمه مع مايزيد عن الخمسة و السبعين مليونا ، أما أن أكون مصريا و أردنيا في آن فذلك شيء أتقاسمه مع بضعة آلاف على الأكثر ، فكيف إذن لو إحتسبت أصولي الفلسطينية ؟
إذن فكل هوية تربطني بعدد كبير من الناس ولكن كلما إزدادت هوياتي كلما إزددت تميزا و إختلافا، بدون أن أنفصل عن بقية هوياتي لحساب هوية ما بعينها.
فبإضافة كل عنصرأزداد قدرة على التواصل و التفاعل مع الآخر ، لأن كل إضافة لكل هوية أو عنصر تتم بمفرداتها و خواصها المميزة لها ،فالهوية كما اللغة لها مفرداتها وأبجديتها وآدابها).

وبالعودة للتمثيل الأفقي للتمايز و الإختلاف سنجد لدينا الطرف (A) و الطرف (B) تجمعهما الندية الحرة في مستوا أفقي واحد يقضي على أحادية الإختلاف و ماينتج عنها من دونية و عليائية وسيطرة و ضعف في ثنائية لا تنتهي.
فيكون بذلك لكل فضاؤه المفتوح للإبداع و التميز و الإختلاف غير محكوم بأي قانون تضعه أي نظرية تقنن الخوف و الكراهية أواي سقف يضعه المخلص الفرد/ النظام / الأيقونة / الناموس ، وبذلك ينتهي عصر الوثنية السياسية و الدينية و العلمية وحتى الإبداعية ، فيما يخدم عالمية الإنسانية ويفتح آفاق التفاعل الإنساني المبدع الخلاق الحر دون الحاجة للطواريء و الرقابة وسلطة الحلال و الحرام الخارجة عن قاعدة (الأصل في الأشياء الحل).
فنحن نتقاطع تاريخيا و ثقافيا مع الآخر في الكثير ، وحتى إذا لم توجد نقاط الإلتقاء تلك مع ذلك الآخر المختلف فيكفي أن تكون إنسانيتنا هي ذلك المحور الأفقي الذي يجمعنا أكثر مما يفرقنا ، لنجد في نهاية الأمر أن لا آخر إلا أنا.

No comments: