Saturday 6 June 2009

نور و نار و طين



الشيطان ، هو أول و أكبر وأهم رموز الشر عبر التاريخ الإنساني كاملا ، بل هو الأوحد وإن إختلفت صوره و أشكاله بإجتهادات الخيال الإنساني وكذا صورته جميع الأديان قاطبة . هو عنصر دخيل على الطبيعة البشرية ، هكذا قالت لنا الإنسانية بآدابها و فنونها وأديانها و تاريخها و حضاراتها.
وإن كان لي رأي مخالف في تحميل الشيطان جميع الشرور التي إرتكبها الإنسان أو تحديدا إختار إرتكابها وأوجد لها المبررات ، و إلا فلما لا يوجد ما يوازي الوجود الشيطاني ، فلا يوجد (فلان) الملاك الداعي للخير ليعادل الكفة؟
فإبليس لم يخرق الإرادة الإلهية حينما رفض السجود لآدم ، وذلك لأنه من غير الممكن عمليا معصية الله وإلا سقط في هوة المستحيل، لما في ذلك من مخالفة واضحة و صريحة لأحد أهم و أبرز الصفات الإلهية وهي القدرة اللامحدودة ، بلفظ آخر قدرة ال(كن فيكون) ، مما ينتهي بنا لأحد فرضين ، إما أن للشيطان القدرة على المعصية أو الرفض هنا ، أو أن الله لا يملك القدرة على ال(كن فيكون).
إذن فرفض إبليس للسجود لم يأت في نطاق تعريفنا الإنساني الأحادي البعد للمعصية ، بل جاء في نطاق الإختلاف ، كما يأتي الشمال "مخالفا" للجنوب ، و الشرق "مخالفا " للغرب ، ذلك الإحتلاف (المعصية) لتوضيح الطبيعة و ليس إمكانية الفعل ، كما قال نيتشيه : ( المعاني "الأشياء" تخرج من أضدادها) ، و كذلك قالت الطبيعة.

( حاجتنا لوصف رفض الأمر بالإختلاف لا ينزع عنه صفة العصيان و لكن حاجتنا لوصفه بالإختلاف كانت أقوى من المعصية لتوضيح الطبيعة وفكرة الحرية ، بمعنى أنه –ولنأخذ الإتجاهات مثالا للتوضيح – إذا إتجه أحدنا شرقا فإنني أعصيه إذا إتجهت شمالا أو جنوبا ، ولكنني إذا إتجهت غربا فإ نني أوضح إتجاهه بإلتقائي به في النهاية ، فنحن على نفس الخط –الفكرة-.)

إذن مخالفة إبليس للأمر الإلهي لم تخرج عن تلك المعرفة الإلهية بطبيعة المخلوقات ، وذلك يسوقنا للتساؤل عن تلك الطبيعة وأهميتها ، مم خلق إبليس؟ من نار ،ومن طبيعة النار أنها تتغذى على ما حولها من أشياء و أشخاص ، ولاتكتفي ولن تكتفي ، فبقاؤها يعتمد على ذلك ، فإن لم تجد ماتتقد به ، خبت و إنطفأت ، أي أن مخالفة إبليس هنا كانت مسألة بقاء و حماية للنوع و لطبيعة ذلك النوع ، وتلك الخاصية لم تخرج عن العلم الإلهي بطبيعة المخلوقات لذا كان الإختلاف هو التوصيف الأدق لا المعصية.
أما الملائكة فهي من نور ، و النور يتحرك في خطوط مستقيمة ، لايحيد كيفما شاء وكيفما إختار، لذا كانت الملائكة مجبولة على الطاعة ، طبيعتهم لاتعرف غيرها ، لا يملكون من أمر حريتهم شيئا غير في طاعة الله .
أما إبليس فملك حرية الإختيار ضمن حدود طبيعته النارية ، وكما كان للجن من إختار أن يؤمن ومن إختار أن يكفر ، إختار إبليس ألا يسجد لآدم بل و أن يغوي بني جنسه (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) آية 83 سورة ص، و قد تكررت نفس الفكرة في آيات وموضع مختلفة في التوراة و الإنجيل ، لست في معرض ذكرها هنا.
ومن هنا تنبع أهمية إستعراض الطبيعة النارية و النورية أمام الإنسان ذو الطبيعة الطينية ، ليتطبع بأيهما، ولكن ذلك لايرفع عن الإنسان ولو جزءا بسيطا من مسؤولية الإختيار بتحميله للشيطان الشاطر (!!!). فالإنسان الذي خلق من طين كانت له هو أيضا طبيعته المميزة ، فللطين قابلية التشكل ، كذا الإنسان ، الذي يتشكل بقوى الخير و الشر ، والتي يأتيها بفعل كامل الحرية ضمن المعرفة الإلهية بطبيعة الطين ، و هنا ينتفي دور الشيطان الذي لم يؤثر على حرية إتيان الفعل ولا على الفعل نفسه ، فالشر ثابت بوجود الشيطان أو عدمه .
بمقارنة تلك الطبائع المختلفة (النور و النار و الطين) نجد أن للإنسان الحرية الكاملة التي تميز بها على الملائكة فلا نحن نسير في خطوط مستقيمة لا تحيد ولاتملك حتى حرية الحياد ، وعلى الشياطين فلا تحركنا حريتنا بطبيعة الحرق و التدمير .

2 comments:

This Unicorn is Hardcore said...

You totally wowed me again.WOW!:D and i'm pretty hard to impress, so gd job!

I specially liked that part"

ومن هنا تنبع أهمية إستعراض الطبيعة النارية و النورية أمام الإنسان ذو الطبيعة الطينية ، ليتطبع بأيهما، ولكن ذلك لايرفع عن الإنسان ولو جزءا بسيطا من مسؤولية الإختيار بتحميله للشيطان الشاطر (!!!). فالإنسان الذي خلق من طين كانت له هو أيضا طبيعته المميزة ، فللطين قابلية التشكل ، كذا الإنسان ، الذي يتشكل بقوى الخير و الشر ، والتي يأتيها بفعل كامل الحرية ضمن المعرفة الإلهية بطبيعة الطين ، و هنا ينتفي دور الشيطان الذي لم يؤثر على حرية إتيان الفعل ولا على الفعل نفسه ، فالشر ثابت بوجود الشيطان أو عدمه .
بمقارنة تلك الطبائع المختلفة (النور و النار و الطين) نجد أن للإنسان الحرية الكاملة التي تميز بها على الملائكة فلا نحن نسير في خطوط مستقيمة لا تحيد ولاتملك حتى حرية الحياد ، وعلى الشياطين فلا تحركنا حريتنا بطبيعة الحرق و التدمير .
"
I never looked at it that way.Thats just amazing!
I know a good writer by two things.
A.The ability to surprise me everytime
b.Give me something to think about.
And you did both so kudos to you sir!
Oh and i totally agree people luv to blame anything/anybody else but themseleves.Its just easier to blame others than admitting your failure, so just blame it on the devil, the crappy beer you just had, the cranky wife at home or OUR FAV. the shithole country, but never you, never you!
"We shetan shater ya basha"

Abdulla.N said...

dear inas
your words touched me so much , and i am happy to be considered as a writer by toy and have an intellectual reader like you.
thanks a lot..

ولكن دعينا نتسائل ماهي خواص الطبيعة الطينية فهي قابلة للتطبع و لكنها غير متحركة كالنار و النور...
فما الذي تحتاجه؟؟؟