Saturday 6 June 2009

Space,Time and Deity (arabic).

منذ اليوم الأول للإنسان على الأرض سواءا كان مخلوقا أو تطورا لأحد الأجناس الأقل ، أيقن تفرده بالقلب و العقل ليس بالمنطق العضوي ، ولكن كان تميزه بنتاج تواجد هاذين العضوين وهما المعرفة و الإحساس، و لكن ذلك التميز لم يكن بالإطلاق، فالكائنات الأقل تتمتع بنفس تلك القدرات و لكن بنتاجية أقل و ديناميكية أقل.
فجميع الكائنات الحية الأدنى منه تملك المعرفة المتحجرة ، فهي تتوالد و تموت بنفس قدر المعلوماتية ، فالنمل مثلا يولد وهو يعرف تمام المعرفة كيف يبني بيته و ينظم مستعمراته و يخزن لشتاءه وكذلك النحل الذي لم يعلمه أحد هندسة بناء خلاياه ويموت بنفس المعرفة الثابتة و المتحجرة (أما التغيير الوحيد المحتمل الحدوث هو التكيف ولكنه لايعتبر تغيرا لأنه لايضيف مفردات معرفية جديدة) ، أما الإنسان فيولد لايعرف حتى كيفية إستخدام أعضاؤه لذا فالإنسان يبدأ المعرفة من الصفر حتى اللانهاية. فتنمو تلك المعرفة بالتجربة و الإكتشاف و التعلم ، فهي إذن معرفة (حرة) أي ديناميكية .

عندما وجد الإنسان في الطبيعة باديء الأمر وحيدا، و بما أوتي من حرية المعرفة و الإحساس و القدرة على التعلم و التجربة أصبح يتحرك على خطين متوازيين :


1.العقل: المعرفة. 2.القلب : الإحساس. فالمعرفة تقترن بالأدلة و البراهين و المنطق ، محركها الأول و الأخير على الدوام كان و سيظل ( الشك ) ، إذن فهي -المعرفة- لها أبعاد ناتجة عن الشك ثم الملاحظة فالتجربة التي تنتهي بالصواب و الخطأ أي أن المعرفة تتحرك منه –الشك- وصولا للحقيقة أو المسلمة . بينما الإحساس ماهو إلا نقطة في الفراغ لا أبعاد لها هي مبنية على الميتافيزيقا التي لابراهين ولا أدلة عليها هي فقط إحساس، لا يتحرك ضمن أبعاد.

إعتراف الكائنات الحية بوجود الأرقى منها مبني على أكثر القدرات الطبيعية بدائية وهي الإحساس المادي ، الذي هو أول المفردات لتلك المعرفة المتحجرة، مما نتج عنه خوف من ذلك الأرقى (الأقوى) كأبسط إعتراف بوجده ، دون إشتراط الإحتكاك المباشر كشرط للإعتراف بوجوده.
أما بالنسبة للإنسان ، صاحب المعرفة و الإحساس الحر الديناميكي ، فإستيعاب ذلك الأرقى يجب أن يتم بناءا على تلك الخطوط المتوازية و المحركة للتجربة الإنسانية ، ألا و هما المعرفة و الإحساس ، و لكن ونظرا لأن العقل (المعرفة) لايخاطب سوى بالمنطق و الأدلة و البراهين و المادة لذا فقد أنكر ذلك الوجود أو الكينونة الأرقى ، وبناءا على ذلك كانت فكرة تفرد الإنسان بالرقي ، مما وصل به لمرحلة إنكار ذلك الأرقى .

(2).......................
............

ولكن عندما تناسل الإنسان و أصبح يقاسم الأرض مع إنسان لآخر (رآق آخر) ولدت فكرة المجتمع ، وإنبثق الخير و الشر بملاحظة الخطأ و الصواب ، فأصبح الخير و الشر وليدا المجتمع و ليس الإنسان . و بإنبثاق فكرة المجتمع ظهرت الحاجة الإنسانية البدائية لفرض السيطرة تحت شهوة التفرد بالسلطة و القوة و الرقي (على بقية الكائنات الراقية في نفس المجتمع) مسخرة لهذا السبب كل الطاقات و المعارف الممكنة و المتاحة متخطية حدود الخطأ و الصواب و الخير و الشر في صورة أكثر ديناميكية من النداء الغرائزي الطبيعي لدى قطعان الحيوانات و الكائنات الأدنى لسيطرة أقوى الذكور، فكانت الحروب البدائية (بداعي البحث عن المرعى و المشرب مثلا لدى المجتمعات البدوية) ، و ما نتج عن ذلك من إحساس كاذب بالرقي عن طريق الإنتقاص من رقي الآخر و ليس الإرتقاء بالذات. لذا فقد كان الأجدر بالإنسان الإعتراف بوجود كينونة مطلقة الرقي و القوة ، ليكن ذلك دافعا للإرتقاء الفردي ثم الإنساني و الإستفادة الكاملة من التميز الإنساني بدلا من توظيف ذلك لكسر قاعدة الخير و الشر، فإذا كان الإنسان هو الكائن الأرقى على الإطلاق فما الحاجة للرقي؟!.

(3)................................
وهنا كانت الحاجة –الإضطرار- للإعتراف بكينونة أرقى و أقوى ، و لكن الفكر الإنساني حديث العهد بالتميز و الرقي لم يتمكن من التنازل بالكامل عن الزهو الإنساني ، لذا كان التصور الإنساني للكيان الأقوى و الأرقى على شاكلة البشر فكان أطلس و زيوس وأثينا و هيرمس وفينوس والعديد العديد ، فما كان من تعدد الألهة و مطابقتهم للشكل الإنساني سوى نقل فكرة المجتمع الإنساني الباحث عن الرقي إلى فكرة مجتمع الإلهي الراقي صاحب القوى الخارقة و الطاقات اللا محدودة، الخارج عن قاعدة الخير و الشر كمجتمع البشر، فكانت الخلافات بين الآلهة الأرقى في مجتمعهم هي صورة مطابقة لتلك التي في المجتمع الإنساني الباحث عن الرقي.
و لكن هذه الفكرة سرعان ما تداعت وذلك بسبب:



1.وضع الكيان الأرقى و الأقوى في قالب إنساني بشري (جسدا) يما يحمله من نداءات و طبيعة و شكل و تعابير إنسانية. 2.خلق(نسخ) لصورة المجتمع البشري و لكن بهيئة أكثر رقيا بآليات إستجابة إنسانية إستخدمت الخير و الشربنفس المنطق الإنساني و لكن بقوى و قدرات خارقة. فأصبحت تلك الصورة مجرد ملاحم أدبية تثري الإرث الحضاري للبشرية فنيا و أدبيا و ثقافيا كملحمتي هوميروس العظيمتين الإلياذة و الأوديسا و ملحمة جلجامش في الحضارة السومرية.

(4)......................................
فما كان من الإنسان و بعد ذلك ومع تطور الفكر الإنساني و البعد التخيلي بعيدا عن الأدلة المادية و البراهين و المنطق وديناميكية المعرفة و ثبوت الإحساس إلا اللجوء لصورة مغايرة للكيان الأرقى ، فسخر المحيط و الثقافة و الإرث التاريخي و العادات و الخيال لخلق خالق له (الأرقى؟؟!!). فكان تصوير الآلهة في الجزيرة العربية كأصنام من تمر ،وفي هيئة نمور و أسود و أفيال وثعابين في الهند و آسيا ، والشمس في المكسيك و أمريكا الجنوبية، و لكن لأنها جميعا كانت تخالف المنطق المادي البسيط لدى الكائنات الحية جميعا –ذو المعرفة المتحجرة و الحرة منها معا- فلم تلبث هي أيضا أن فقدت أهليتها ، حين أجاب العقل على إدعاء سيدنا إبراهيم حينما قال (فعلها كبيرهم؟) ، بعد أن حطم الأصنام ووضع الفأس في يد أكبرهم : مستحيل.
و أكل صنم التمر في لحظة جوع.


(5)................................
من بحثي السابق أستنتج مايلي:



1.ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات قاطبة هو العقل : المعرفة و القلب : الإحساس ، و لكن ذلك التميز ليس بالإطلاق . 2. التجربة الإنسانية تسير على محوريين متوازيين هما نتاج الخواص المميزة للإنسان لكل منهما أبعاده و خواصه. 3. الإعتراف بوجود الأرقى ليس مهما لوجوده في حد ذاته بقدر أهميته لتحفيز الإحساس بالرقي و النهوض بالإنسان و الإنسانية وخلق إتزان مابين المعرفة و الإحساس و السيطرة على الجانب المادي من الإنسانية ،لزيادة الحس و العقل الجمالي و الصحة النفسية وذلك بفرض و جود الأرقى دوما في جميع المناحي ليظل الإنسان دوما باحثا عن الكمال. 4.لايمكن توصيف أو تأطير ذلك الكيان و الأرقى بأي خواص لها منطق إنساني محسوس أو معروف وكذلك فهو واحد لايتعدد فلا يمكن تجميعه (لا يمكن تطبيق فكرة المجتمع عليه) بإسقاطات الخير و الشر مما يصل بنا للإله الواحد..

No comments: