Tuesday 30 June 2009

نظرية المؤامرة1: الدين

الدين هو ذلك المبحث المتعلق بأكبر التجارب الإنسانية وأعمقها و أكثرها حساسية لدى الإنسان ، و هي الحياة و الموت والإحتياج الإنساني المبرر لوجود الأرقى كائنا و كينونة ، لتكون للحياة قيمتها كذا الموت. وذلك ما سعى الكثير من الفلاسفة و لايزالون لفهمه و بحثه ، فمنهم من قال أن الإنسان خلق باحثا عن الكمال في صورة الخالق (أرسطو) ، و منهم من قال ببساطة أن الله قد مات (نيتشيه).
ومنذ فجر الإنسانية حتى نهايتها ستبقى الأديان و ستظهر أخرى و تندثر أخرى ، لتظل الحاجة الإنسانية المتمثلة في الإجابة على السؤال الإنساني البدائي : من أنا ؟ و ماذا أفعل هنا ؟ وإلى أين سأنتهي؟.
وعموما ليس ذلك هو مبحثي في هذه المقالة. فأنا أناقش ههنا الحاجة الإنسانية أن يجمعنا الدين ، لا الحاجة الدينية التي يجب أن تجمعنا.فإن كانت الأديان – وحديثي ههنا عن الأديان السماوية الثلاثة- قد بلغت ما يقارب ال 3000 عام من العمر ، فما العنصر المتغير إذن؟؟
إنه نحن...
يقع أغلب الباحثين و المراقبين و المثقفين و حتى العامة و من ثم إنعكاسا على الآخر ، في جدلية ( ما تأثير الإسلام على المسلمين؟)، متناسيين تماما أن الإسلام ثابت منذ ما يزيد عن ال 1400 عام ، في حين أن المسلمين (؟!!) قد مروا في تلك الفترة بعهود من القوة و السيطرة و الضعف و الرقي و الحرب و السلم والإنحلال و التفكك و الثورات و فكان الإسلام –كدين- ثابت بينما تغير المسلمون.
أليس الأجدر بنا إذن أن نتساءل ما تأثيرنا نحن المسلمون على الإسلام؟ و بالتالي نظرة الآخر لنا، و للإسلام. فالدين الإسلامي و الحضارة الإسلامية على إمتداد تاريخهما بداية من يوم بزوغ وثيقة المدينة المنورة وحتى تاريخنا هذا يحفلان بالعديد من الأمثلة الدالة على القدرة على إستيعاب الآخر ، و التي كانت تلك الوثيقة أول دلائلها:
1. في عصر رسولنا الكريم ، كانت تجمعه باليهود إتفاقيات ملزمة لها ما لها و عليها ماعليها ، إلى أن نقضوا عهدهم ، فبذلك كان الإسلام حتى في زمن الحرب قادر على إستيعاب الآخر.
2. في عصر الدولة الإسلامية في الأندلس كتب الفيلسوف اليهودي إبن ميمون أعظم كتب الفلسفة اليهودية.
3. وفي نفس تلك الفترة الزمنية حارب اليهود كفرقة مقاتلة في صفوف الجيش الإسلامي أمام ملوك و أمراء الصليب لتطهير أوروبا من الحكم الإسلامي.
4. ومن الزمن الحديث لاتزال تظهر لنا تلك الشهادات الموضوعية و الخارجة عن نظرية أنا أختلف إذن أنا موجود : نظرية المؤامرة ، ومنها شهادة المفكر و الكاتب الفرنسي اللبناني الأصل أمين معلوف و التي يقول فيها: ( لئن كنت من أصول مسلمة في زمن دخول الحملات الصليبية للأراضي المقدسة أو الأندلس ، ما كان لأجدادي حينها تلك الحرية الدينية التي كانت لهم و هم من أصول مسيحية زمن الفتح الإسلامي ، فقد كانوا سيعمدون بالقوة أو أن يقتلوا!).
5. زرياب و مدرسته للفن و الموسيقى ، التي كانت منارة الفنون وقتها.
6. الدوله العباسية و الأموية و تطور الفن و الأدب و الإحتواء الديني للآخر في بوتقة الوطن، وشواهد ذلك تقف حاضرة في تاريخ دمشق و بغداد (أعانها الله و أعاننا).
7. كان العرب و ليس المسلمون فقط عندما ينتصرون كانت تسود عقيدة التسامح و الإنفتاح لا غطرسة القوة ، فينطلقوا لترجمة الموروث اليوناني و الإيراني – الفارسي و الهندي مما سمح بإزدهار العلم و الفلسفة و الفنون و الآداب و الطب و العلوم الدينية ، و من ثم كان الإنتقال من التقليد و النسخ إلى الإبداع في التنجيم و الزراعة و الفلك و الأدب و الرياضيات و الفلسفة ، ويكفي لذلك القول أن إبن رشد كان هو المنقذ الوحيد للفلسفة الأروسطية من الإندثار و من ثم بعثها من جديد للعالم.
وإذا أمعنا النظر في التاريخ الإسلامي و العربي سنجد الكثير من الشواهد التي لن تكفيها صفحاتي هذه لذكرها.
إذن ، من العلاقة الثلاثية : الدين – الآخر – نحن ، تبقى لبحثنا عنصرواحد وهو ال(نحن)...المسلمون.
حيث لايمكن فصلنا (نحن و أفعالنا ) عن تلك النظرة النمطية المغالطة التي يتبناها الآخر، وأقصد هنا للأسف بأفعالنا المستوى الفردي و الجماعي ،و بالذات في غياب الوعي الفردي و الجماعي ، ليطل علينا البعض ليطالب بمنتهى الكوميدية أن نحاسب الآخر عن إنطباعه .
فبالنظر لشواهد التاريخ و مقارنتها ، نجد أننا (الآن) نفتقر كمسلمين و ليس كإسلام لعنصر هام جدا يسمى (ثقافة الإختلاف) ، فنحن لا نعرف كيف نختلف ، ليس لأننا متفقين ، إنما لأن نظرتنا للإختلاف تقع ضمن قاعدة (البقاء للأقوى).
فنظرتنا القاصرة للمختلف تفرخ لنا الكثير من الإتهامات الجوفاء الرنانة التي تشبع غرائزنا الصوتية ، من كفر و جهل و خيانة و ظلامية ، في محاكمة يكون فيها الإدعاء هو القاضي و الجلاد ، بينما يجب أن يكون الحكم فيها هو فقط لله و التاريخ و الإنسانية معا ، وقد كان من أول ضحاياها جاليليو .
ثم بعد ذلك تأتي مشكلة أننا لم ننضج بالقدر الكافي لنفرق بين الفرد و الفكرة ، بقصر نظر يشهده لنا التاريخ من مسرحيات (التكفير و إباحة الدم) ، بطريقة سينمائية تعيد لمخيلتي صور مجرم الغرب الأمريكي في صورته بالأبيض و الأسود كتب عليها (مطلوب) والجائزة المالية ($) ، وقد علقت على عمود إضاءة خشبي ، تهز أطرافها الرياح المحملة بالأتربة ، كاشفة ظلا من بعيد يتضح فيما بعد أنه المجرم ، وكالعادة ترق قلوب المشاهدين للمجرم ويقبلون على كتبه وأفكاره...أقصد جرائمه ، لينتهي الفيلم و نحن معجبون بالمجرم ولا نتذكر وجه الشرطي ، كما حدث مع الكاتب سلمان رشدي الذي لم يعرفه أحد إلا بعدما أصدرت إحدى أنظمتنا العنترية فرمانا بإباحة دمه و تكفيره ، ليخرج بذلك للأضواء.
لقد أثبتت لنا الإنسانية و التاريخ أن الفكرة لا تواجه سوى بالفكرة و الحرية بالمزيد من الحرية ، ولكن لأن ذاكرتنا قصيرة العمر كالأسماك فإن علاقتنا بالتاريخ لا تتعدى مرحلة ( الخلق) بينما وصل الآخر لحقيقة أن التاريخ يعيد نفسه
.

No comments: